مدونات

إعادة تشكيل العقول.. سينمائياً

سبتمبر 10, 2024

إعادة تشكيل العقول.. سينمائياً


اعلم أن الموضوع ليس جديداً أو يطرح لأول مرة، مع ان مستوياته كما يبدو اليوم قد وصلت إلى أعلى مراحلها، ولكني وبحكم كوني مشاهد عتيق للسينما الغربية وقفت على تغير عميق جداً في مضامين ما تقدمه وتصدره لنا في العالمين العربي والإسلامي  بشكل خاص، وهو أمر مرتبط بالفكرة والايديولوجية التي تحكمها دون شك وتعكس المنظومة الفكرية التي تقوم عليها الحضارة الغربية وأسسها وركائزها من المادية والإباحية ودعم الكيان الصهيوني الغاصب واستجلاء إرث الكراهية المزمن الذي لا تغادره العقول المتأزمة.


وتذكرت في هذا المجال ما قاله الفنان الراحل نور الشريف في التفاتة ذكية بأن السينما بعد 11 سبتمبر تخلت عن المضامين الجادة ودخلت في باب التفاهة وإثارة الغرائز والتركيز على تحويل الإنسان إلى  كائن مستهلك.. الخ.


إن المتابع لنتاجات السينما الغربية منذ عام 2000 تقريباً يجد أن هناك تحولاً واضحاً في مساراتها، وانحداراً أكبر في دروبها، فالحبكة غابت، والأفكار العميقة تلاشت، والقصص التافهة وجدت لها مرتعاً خصباً، والالحاح على مخاطبة الغرائز بات ملفتاً أكثر من ذي قبل، واغراق الشاشات بالعنف الدموي، وإظهار هيمنة الغرب بصورة مبالغ فيها، والاستهزاء بالقضايا العربية ورموزها حتى لو كان من الطغاة الذين دعموهم ومنحوهم الفرصة لتضييق خناقهم على رقاب الشعوب العربية المظلومة، مع ترسيخ صورة الهيمنة الأمريكية المتغطرسة، ومحاربة الجوانب الروحية أو تشويهها، وإظهار الكيان الغاصب بوداعة تثير الشفقة، واستحضار التاريخ بشكل انتقائي، والترويج الفظيع للشذوذ عن الفطرة بما لا يخلو منه فيلم اليوم ولو بالإشارة والعبارة والتلميح والتصريح الفجّ كأنه حق شرعي.


وهذا كله مقصود، وهو كما أشرنا في أعلاه استمرار لعمل ممنهج قديم ولكن اتساعه اليوم يزداد ويستدعي الاهتمام الأكبر لمجابهته بالبديل المقنع، وتلك مهمة ومسؤولية عظيمة. لقد بات تعمد اغراق العالم بالتفاهة وتغييب العقل وتفكيك الحصانة وتهديم الثوابت منهج أساسي تقوم عليه شركات الإنتاج السينمائي، والأمر ليس بسبب التأثيرات الاقتصادية الباحثة عن الربح والمجردة عن العقل والفكر الذي يحركه أبداً، بل هو تطابق تام بين المرجعية الفكرية والنتاج المنبثق عنها.


صحيح أنهم قد يعكسون الصورة المعتادة والمألوفة في مجتمعاتهم ولكن ثمة إصرار وترصد وإمعان وتأكيد على تصدير تلك المفاهيم إلينا، ومحاولة زعزعة البنيان الرصين الذي تقوم عليه الأمة المسلمة، وإذابة الحواجز بالتدرج الناعم، وإثارة النقاشات الوجودية بمكرٍ بالغ، وفسح المجال للخيالات أن تحتل حيزاً ليس من السهل تجاوزه في التفكير اليومي، وبمرور الوقت وكما جرت العادة يتحول الخيال إلى واقع والتفكير إلى قناعة ويقبل ما يطرح باستسلام وخنوع وخضوع، ثم يكسر حاجز جديد!


وغني عن القول إن الخطورة الأكبر اليوم تكمن في الجيل الجديد الذي تبدو حصانته واهية وقناعاته متماهية مع التطور التكنولوجي الحاصل وازالة الحواجز المرئية دون إدراك لخطورة ما يحصل.


إن أزمة السينما الغربية أوجدت الحاجة الماسة ليس فقط لنتاج لا يهدم الثوابت وحسب بل وفيه مقدار من التعقل والرصانة والقيمة، مع التحفظ على الجوانب الأخلاقية التي لا يخلو منها نتاج منذ تأسيسها.


أين النتاج العربي بالمقابل؟! هو الآخر لا يقل سوءاَ إلا ما ندر، وهو يمارس بوعيٍ أم بدونه عملية اعادة تشكيل العقول بالمنحى الغربي والذي يجد نفسه أمامه تلميذاَ يحقق مبتغاه بل ويتمنى رضاه، ويتخلى عن كل قيمة من اجل السير على السجادة الحمراء البائسة! لذلك بدت الظاهرة الأكبر اليوم في تلقي نتاجات عربية اللغة غربية الفكر والمضمون، وفي ذلك الخطر الأكبر والأشد.


شارك

مقالات ذات صلة