مدونات

بين الاعتياد والصمت

أغسطس 28, 2024

بين الاعتياد والصمت

الكاتب: ظاهر صالح

كاتب وناشط إعلامي فلسطيني

 

يتواصل الإجرام الصهيوني وتزداد حرب الإبادة ومشاهد القصف العشوائي على المدنيين الذي ينفذه الاحتلال برعاية ودعم من الإدارة الأمريكية لإطالة أمد العدوان الوحشي على المدنيين، وسط صمت عالمي مُريب وتجاهل بدأ يتسلل إلى العالم دون صون للمبادئ الإنسانية الأساسية والأعراف والمواثيق الدولية.


 بعد 11 شهراً من المجازر المتكررة في غزة وتقديم كل أشكال الدعم من الإدارة الأمريكية للاحتلال، تُعتبر هذه الإدارة شريكة أساسية في حرب الإبادة ومسؤولة بشكل مباشر عمّا يشهده قطاع غزة، وتصريحات هاريس الأخيرة لا تعدو كونها محاولة جوفاء لتبييض صورة واشنطن، ومحاولات لجذب الناخبين اليهود في أمريكا، التي تشهد منافسة انتخابية غير مسبوقة.


فقد واصلت استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد جميع مشاريع القرارات المُطالِبة بوقف إطلاق النار في غزة، حيث عارضت القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية التي اتهمت فيها الاحتلال بارتكاب أعمال إبادة، واستمرّت في تزويد الاحتلال بالأسلحة المدمرة التي يستخدمها لقصف المدنيين وتدمير كل مقومات الحياة في قطاع غزة وممارسة شتى أنواع الجرائم من قصف وقتل وتنكيل وتهجير قسري من مكان لآخر تحت النيران، وممارسة حرب تجويع وتعطيش للسكان ومنع دخول المساعدات، كل ذلك وغيره يٌعد خرق واضح وفاضح للاتفاقيات الدولية.


 وبموجب المادة 54 من البروتوكول الأول الإضافي حزيران 1977 الذي أُلحق باتفاقيات جنيف، والمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُحظر تجويع المدنيين كأسلوبٍ من أساليب الحرب، ويُعدّ ذلك شكل من أشكال جرائم حرب، وقد اعترف مسؤولون في ادارة بايدن بالمسؤولية التي يتحمّلها الاحتلال، إذ صرّحت هاريس، نائب بايدن، في 3 آذار قائلة: إن “الناس في غزة يتضوّرون جوعًا في مواجهة ظروف غير إنسانية، وإنسانيتنا المشتركة تُلزمنا بالتحرّك، لذا يتعيّن على “الحكومة الإسرائيلية” بذل المزيد من الجهود لزيادة تدفّق المساعدات بشكل كبير ومن دون أعذار”، وعلى الرغم من ذلك واصل الاحتلال ارتكاب المجازر المروّعة ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وقد تحدث قادة الاحتلال باستمرار عن إمكانية استمرار حرب طويلة في قطاع غزة، وهذه إشارة إلى استمرار وتيرة المجازر اليومية، مع توقع زيادتها في المستقبل، وظهر هذا أكثر من مرة من خلال تصريحات نتنياهو ومساعديه أنهم يتوقعون أن ينحرف انتباه الرأي العام عمّا يحدث في غزة مع مرور الوقت، ولعلها تراهن حكومة الاحتلال على هذه الاستراتيجية للتخفيف من الانتقادات الدولية وتجنب المساءلة، حيث يتطلعون إلى انشغال العالم بقضايا جديدة، مما يجعل الناس يعتادون المشاهد الصادمة والمأساوية، ومن ثم يقلل من تنديد واستنكار المجتمع الدولي.


 يسعى قادة الاحتلال إلى جعل هذه المأساة جزءاً من الروتين اليومي للمتابعين، حتى يختفي الاهتمام بشكل تدريجي وتضمحل الموجات التضامنية والاحتجاجات شيئاً فشيئاً، لذلك إن انخفاض الاهتمام العالمي بالحرب على غزة لم يكن محض صدفة، بل هذا ما كان يراهن عليه الكيان لمواجهة ضغوط الرأي العام العالمي، بتغطية ودعم الإدارة الأمريكية، التي تملك الوسائل لإيقاف العدوان على غزة، وباستطاعتها وقف شحنات الأسلحة إلى الكيان وإرغامه على القبول بوقف إطلاق النار، وبإمكانها أيضاً دفع الكيان إلى تطبيق القرار المؤقت الصادر عن محكمة العدل الدولية، لكنها حاولت عوضاً عن ذلك تشويه مصداقية المحكمة، وقد تصرّفت الإدارة الامريكية بهذا الشكل على الرغم من معرفتها أن الاحتلال يرتكب منذ البداية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مثل استهداف المدنيين والسعي إلى تنفيذ تطهير عرقي بحق سكان غزة، والطامّة الكبرى أن بعض وسائل الاعلام العربي وأبواقه المتصهينين يقومون بإيقاع الجمهور في فخ التضليل والتعمية والكذب، فبدل من أن تكون مشاعر الغضب والتذمر و إظهار عدم الرضى والسخط موجهة على الدول والأنظمة التي تحاصر غزة و تتآمر على مقاومتها، تتماهى مع الاحتلال متجاهلة معاناة سكان قطاع غزة.


 يحاول هذا الإعلام الموجه والمأجور ان يدفع الجمهور إلى دائرة التضليل وإلى تفريغ لومه وعتبه وغضبه تجاه المقاومة وإشغاله بجلدها وجلد كل من هو مؤيد وداعم ومساند لها لتعميته عن كل من هو صامت ومتخاذل ومتآمر على غزة وعلى فصائل المقاومة.


 وهنا لابد من الإشارة والإشادة إلى أهمية بعض وسائل الإعلام الحرة والشريفة التي تتعاطى مع الأحداث بمهنية عالية، وإلى دور الإعلاميين والصحفيين والكتاب والنخب والمثقفين والناشطين، في تحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية لتوضيح الحقائق وكشف عدوانية الاحتلال والدعم الأمريكي والغربي وأنظمة التآمر والتخاذل العربي وجعل جرائم الاحتلال وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني على سلم أولويات الاهتمام وعلى كافة الأصعدة الدولية والعربية والشعبية في العالم، وعدم اعتياد المشهد، باعتباره عادياً وطبيعيا، “فاعتياد المشهد جريمة والصمت على ما يحدث في غزة خيانة”.


شارك

مقالات ذات صلة