مدونات

ماذا يعني أن تكون صحفيا في زمن الحرب؟

أغسطس 20, 2024

ماذا يعني أن تكون صحفيا في زمن الحرب؟


كتبت الشاعرة الفلسطينية هند جودة نصا شعريا بعنوان “ماذا يعني أن تكون شاعرا في زمن الحرب؟”، نص مؤثر للغاية، وأنا أستأذنك هند لأستعير العنوان، لأكتب عن الصحفي، عن هذا الجندي بدون خوذة، المحارب الأعزل، فما معنى أن تكون صحفيا في زمن الحرب؟ أنا لست صحفية بما يحمل فعل الصحافة من معنى، أرى نفسي مازلت طالبة صحافة (وسأظل كذلك) حتى وإن كنت قد تخرجت بشهادتي الجامعية منذ سنوات.


أن تكون صحفيا ميدانيا في زمن الحرب، يعني أن تكون جنديا بلا درع، محاربا بلا سلاح، اللهم كلمة وعدسة قمرة. أن تستيقظ على وقع انفجار، وتنام على صوت الطائرات الزنانة. أن تكون صحفيا ميدانيا في زمن الحرب، يعني أن تجد لنفسك مكانا بين المذابح، تحذر في كل خطوة أين تضع قدمك، فقد تطأ دون قصد رأس رجل ملقى أو أمعاء طفل لم يبلغ الخامسة. يعني أن تنقل للعالم ما يحدث خلف الكواليس، وأن تتجرأ وتوجه ميكروفونك إلى طفل مبتور القدم وتسأله: “ماذا توجه للعالم؟” فينظر إليك ويصمت، فالصمت في حضرة الخذلان جواب. أن تكون صحفيا في زمن الحرب، يعني أن تستبدل رسائل “صباح الخير” برسائل “عاجل”.


أن تظل في حالة تأهب دائم، تنتظر الخبر القادم، تعرف أن كل دقيقة قد تحمل معها مجزرة جديدة. تحمل روحك على كفك، ومستعد لرميها أرضا لتلتقط الخبر ، فالخبر في زمن الحرب ثقيل جدا، سيحتاج منك كلتا يديك.  أن تكون صحفيا في زمن الحرب يعني أن تمتص الصدمة الأولى، أن تكون الناقل الأول للحدث، أن تعيش الحرب مرتين، وأن تموت موتتين. يعني أن تكون شاهدًا على الألم، أن ترى الدمار بعينيك وتترجمه إلى كلمات. أن تترجم رائحة الدم، جوع الأطفال، حرارة الخيام وتعب الجدات. ماذا يعني أن تكون صحفيا في غرفة الأخبار في زمن الحرب؟ لم أحب الأخبار يوما، ولم أكن أجد في نفسي الشغف لمتابعتها، فهي تتعبني كثيرا، ولم أنجح بعد في فصل نفسي عما أسميه ب”تسونامي الأخبار” التي أتلقاها كل يوم.


حاولت العمل في غرف الأخبار مرارا، لكنني كنت أفشل فشلا ذريعا في كل مرة.  أن تكون صحفيا في غرفة الأخبار في زمن الحرب، يعني أن تكون في ساحات معارك متعددة في آن واحد. أعصابك مشدودة، وعقلك متيقظ دائما. تتنقل بين شاشات الحواسيب، تلاحق الأخبار كصياد. تشهر عدستك المجهرية أمامها، تتحقق من خبر وتفند آخر. تتأكد من هذه الصورة، هل هي مقتبسة من فيلم أكشن هوليودي أم حقيقية .. سحقا، إنها حقيقية! ياللفظاعة!  أن تكون صحفيا في غرفة الأخبار في زمن الحرب، يعني أن تختار بين من يستحق أولوية العرض: أم تبكي طفلها مفصول الرأس، وأسير يُغتصب أم بلاغ رئيس يندد ويستنكر؟ يعني أن تعيش الحروب رغم أنك بعيد عن ميدانها. تشعر بثقل قنابلها، أن يتردد في أذنك نحيب أطفالها،أن يصبح الوقت عدوك.


تتحرك بين العاجل والمستعجل، وبين الخبر الحقيقي والزائف. تسارع الزمن لتوصل الخبر قبل أن يموت على لوحة مفاتيحك. أن تكون صحفيا في زمن الحرب يعني أن تحمل على كتفيك أوزار من ماتوا، وأحلام من نجوا.  تقول هند : “أن تكون شاعر في زمن الحرب هذا يعني أن تعتذرْ، أن تكثرَ من الاعتذارِ، للأشجارِ المحترقةِ، للعصافيرِ التي بلا أعشاشٍ، للبيوتِ المسحوقةِ، لشقوقٍ طويلةٍ في خاصرةِ الشوارعِ، للأطفالِ الشاحبينَ قبلَ الموتِ وبعدَهُ، ولوجهِ كلّ أمٍ حزينةٍ، أو مقتولةٍ! (..) يا إلهي، لا أريد أن أكون شاعرة في زمن الحرب” عذرا!

 

 

 

شارك

مقالات ذات صلة