تأملات

إلى أنس الشريف: كيف حالك؟!

أغسطس 18, 2024

إلى أنس الشريف: كيف حالك؟!

لا أعرفُ كيف حالك يا أنس الشريف، لكن انتابني هذا السؤال كثيراً هذا اليوم، وأنا أتعثّر صدفة في منشور لك تقول فيه: “صباح الخير يا سمعة”؛ في إشارة إلى اسم زميلك إسماعيل الغول وكأنك مازلت تحافظ على اسم الدلع الخاصّ به.

 

لا أريد أن أفكّر كيف شعورك وأنت تودّع صديقك من دون رأس، تلك الرأس التي قبّلتها كثيراً، وكنت قد نظرت في عيونه أكثر من زوجته وطفلته بسبب النزوح، إلى حدّ أنّك ميّزت حالات بؤسه وانشراحه، كيف وقفت أمام جسده الذي لا يحمل عينيه؟

 

تدور هذه الأسئلة في قلبي وجرحها يتسع باتساع رقعة قطاع غزة النازف، لكنني أودّ أن أقولَ لك بأنني ممتنة لك يا أنس لأنّكَ مازلت تُرينا غزّة المدينة التي نحبّها في الشمال الحبيب، ولطالما تتبعت نوافذ البيوت من ورائك، وتفحّصت بدقّة الشوارع والأرصفة التي تظهر في الشاشة خلفك في مخيم جباليا الصامد، مرّةً رأيت منزلاً يعود لإحدى زميلاتي أثناء دراسة الدكتوراة، لا أستطيع نسيان منزلها الذي أكرمتنا به أيّما إكرام أثناء دعوتها لنا لتناول الغداء بعد حصولها على شهادة الدكتوراة، كان بيتا فارهاً جميلا أنيقاً كل قطعةٍ فيه موضوعة بعناية وإحساس امرأة رقيقة، لقد كانت الغرفة متفحمة من الخارج، بينما الغرفة التي بجانبها دمّرتها قذيفة، وددتُ لو أمتلك عيناً سحرية تخترقُ عين الكاميرا لتستطيع التجوّل داخل الغرفة المتفحمة، أو النداء على صديقتي باسمها هناك، هل هي في البيت؟ هل نزحت؟ هل عائلتها بخير؟ لكنني خفت من أمنيتي تلك، أن أمتلك عيناً تستطيع التسرّب عبر الجدران والرؤية خلفها، لأنني خفت أن أرى الكنب الذي جلسنا عليه في لحظة فرح غزيرة محترقاً بل دعني أصارحك خفت أن أجد جثّتها متحلّلة هناك في لحظة عطشٍ صارخة أو نزيف طويل دون أن يتمكن الإسعاف من الوصول إليها، فتخليت عن أمنيتي ورضيت بالمشهد الخارجيّ لبيتها وإن كان مؤلماً جداً!

 

يبدو أننا كلنا نحبك يا أنس، اكتشفت ذلك مرّة ونحن نتابعك عبر الشاشة، والحب يحتاج لاكتشاف، ذلك حين تعرف كم أنت خائف على أحدٍ تحبّه، ظهرتَ مرّة وأنت تتسلق إحدى البنايات المقصوفة، لا أدري كيف مشيتَ بحذر على حافتها حتى إنّ المذيعة كانت تقول لك كل دقيقة احذر أرجوك، لكنني تفاجأت بأمّي التي كانت ترقيك طيلة الوقت، ” بسم الله عليك يا أنس، ربنا يحميك يا رب” فابتسمت في سرّي وقلت سبحان الله الذي ساق لك دعاء أمي بغير حولٍ منك ولا قوّة، واستشعرت في تلك اللحظة عظيم العناية الإلهية لك.

 

يبدو الأمر مرعباً أن تحسّ أنّك على لائحة الاستهداف، وأغلب أصدقائك تم استهدافهم بالفعل وقد غدوا بين جريح وشهيد، ومازلتَ صامداً تمسك شارة الصحافة، وتدور بين الشهداء ناقلاً رسالتك بأمانة بالغة، حاملاً روحك على كفك، وأنا أقرأ لك منذ أيام منشوراً لك قلتَ فيه: “نعم أنا أخاف من الموت لكن عملي أمانة ويجب أن أوصل رسالة شعبي”.

 

لا تخف يا أنس، لم يعد شيءٌ نخاف منه أو عليه، فكل الذي نخشاه هو في قبضة الله عز وجلّ لا سواه، لازلت أرقب تقاريرك وأحاول تفحّص الشوارع التي أحبّها في غزة عبر الكاميرا المرافقة لك، أشعر بحنين كبير وغصّة لاذعة وألم خانق في صدري، أحياناً لا أستطيع التنفّس، لكن حين تعود الكاميرا إلى وجهك وأراك مازلت تتكلّم بثبات تعود أنفاسي طبيعية وأهدأ وأتمتم بدعاء أمي الجميل لك “بسم الله عليك يا أنس، ربي يحميك يا رب”.

 

ومَنْ كان في عناية الرحمن، فكل ما هو دون الرحمن ليس مهماً أبداً، دمت في عين الله وعين أمهات الشهداء وجدات الشهداء وأبناء الشهداء وقلوبنا كلّنا

شارك