يطل على الأمة الإسلامية عام هجري جديد، عام ١٤٤٦، هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ما كانت لهذه الهجرة أن تتم لولا أن فيها نفع كبير وحكمة عظيمة للإسلام وتابعيه وهو مازال جنيناً، بحاجة إلى زاد ومداد لينمو ويتشكل على الوجهة السليمة، وما الهجرة إلا ذاك الزاد والمعين والنبع الذي ينهل منه الوليد الجديد حاملاً نبراس الأمل للباحثين عن الحقيقة، وسناء بيرق يتطلع إليه العاطشون والمتخبطون والتائهون المفتشون عن الفطرة السليمة منذ زمن طويل.
الهجرة النبوية الشريفة كانت وستبقى حجر الزاوية في بناء مهيب، أذن لبزوغ فجر حضارة عريقة ذات أخلاق وقيم ومبادئ سامية، امتدت قرون عديدة نعم العالم في جنباتها بحكم أعدل الحكام، فعم الدنيا فترات ازدهار ونماء ونهضة وسلام وأمن، حرم منها المستضعفون والأشقياء دهوراً، فتشبثوا بهذا الأمل والمرتجى أيما تشبث. لذا تعد الهجرة النبوية من أعظم الإنجازات التي ساهمت في نقلة نوعية مميزة ونادرة في حياة البشر ولا يمكن، بل من ضروب الاستحالة، وجود حضارة تضاهيها، ولا نعتقد أن أي أمة من أمم الأرض أنعم الله عليها بحدث جلل كما أنعم على الأمة الإسلامية، والتي كان للهجرة النبوية الأثر الواضح والجلي في نهوضها واعتلائها سدة حكم جزء لا يستهان به من العالم، وحازت على إعجاب ودهشة الأمم الأخرى وحقد واستعداء البعض الآخر.
الهجرة النبوية بمفهومها العقائدي والإنساني والثقافي، تشعر كل مسلم مخلص بالفخر كونه جزءا من أمة عظيمة متسامحة قوية ظلت فتية تعطي وتقدم الخير لأعدائها قبل أصدقائها، متسامحة في كل شيء إلا في ثوابت دينها وكرامتها، تحقق النجاحات نجاحا يتلوه نجاح بلا كلل ولا ملل، غايتها رضا خالقها، وما أصابها من وهن واعتراها من ضعف إلا حينما تفردت ثلة من أبنائها بالحكم وسيطرت عليهم شهوة السلطان وعشق السلطة وتقديس المناصب، حتى نسوا الأمانة التي استودعهم الله إياها، والعهد الذي بينهم وبين عامة الناس ومعنى كونهم مسلمين ملزمين بحماية الدين وأرض الإسلام.
لم تعد ذكرى الهجرة النبوية لها ذاك الوقع في قلوب البعض، ممن شغلتهم الحياة وزينتها إلى مسالك وشعاب ومتاهات مضلة، حتى صار اهتمامهم في الأحداث الفارقة والفاصلة من عمر دولتهم الإسلامية لا يشكل أي فرق عندهم، فتراخت المجتمعات الإسلامية عن إنعاش لب وفؤاد المسلمين بإنجازات ترفع درجة الإيمان والأمل لديهم، وتذكرهم بأنهم أصحاب حضارة، ما غابت عنها الشمس يوماً إلا عندما استشرى بين منتسبيها العجز والخنوع وحب الدنيا والهرولة خلف التفاهات، جعلت أمتهم في ذيل الأمم، وعرت فريقاً ينتسب بالاسم لها فاستحسنوا تقليد السخافات واستحقروا فعل الخيرات.
ما أحوج المسلمين في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها أمتنا الإسلامية، إلى الإحساس بإسلاميتهم الحقة ونبذ التخاذل واللامبالاة بإخوانهم ممن يعانون من جور الظالمين، فالهجرة النبوية ومولد النبي الكريم ورحلة الإسراء والمعراج وجميع الأحداث الإسلامية التي صاغت الهوية الإسلامية ورسخت دعائمها، أداتنا لاستيقاظ المارد الإسلامي من غفوته ونفض غبار الرقود عنه.