مدونات

 أبو خالد السوري رجل التوازن

ديسمبر 14, 2025

 أبو خالد السوري رجل التوازن

علي البرغوث

حلب في خضم الفوضى التي اجتاحت سوريا بعد عام 2011، برز اسم أبو خالد السوري كأحد أكثر الشخصيات تأثيراً في مسار الثورة المسلحة، ليس فقط لخبرته العسكرية والتنظيمية، بل لدوره وسيطاً فكرياً بين الفصائل المتنازعة، وصوتاً نادراً حاول أن يضبط إيقاع الثورة وسط تصاعد الغلو والانقسام.

من حلب إلى ساحات الجهاد العالمية.

ولد محمد بهايا المعروف بـ”أبو خالد السوري” عام 1963 في مدينة حلب. انخرط مبكراً في صفوف المعارضة الإسلامية في الثمانينيات، وشارك في تمرد الطليعة المقاتلة ضدّ النظام السوري، قبل أن يغادر البلاد إثر فشل التمرد، ويبدأ رحلة طويلة في ساحات الصراع العالمي.

قاتل في أفغانستان إلى جانب المجاهدين العرب، وكان مقرّباً من عبد الله عزام وأسامة بن لادن. شارك لاحقاً في النزاعات المسلحة في الجزائر والبوسنة والشيشان، ما أكسبه خبرة تنظيمية وفكرية نادرة، جعلته لاحقاً مرجعاً داخل الحركات الإسلامية.

تأسيس أحرار الشام.. وبناء نموذج مختلف.

مع اندلاع الثورة السورية، عاد أبو خالد إلى سوريا، وساهم في تأسيس حركة أحرار الشام الإسلامية عام 2011، التي سرعان ما أصبحت من أبرز الفصائل المسلحة في البلاد. تولّى قيادة الحركة في حلب، وشارك في بناء بنيتها الفكرية والتنظيمية، ساعياً إلى تقديم نموذج إسلامي معتدل يوازن بين العقيدة والواقع السوري.

كان يؤمن بأنّ الثورة لا يمكن أن تنجح إلا إذا حافظت على تماسكها الداخلي، ورفض الانجرار إلى خطاب التكفير أو التبعية الخارجية. سعى إلى توحيد الفصائل تحت مظلة سياسية وعسكرية واحدة، وشارك في تأسيس الجبهة الإسلامية عام 2013، كمحاولة لتوحيد الجهود الثورية.

وسيط بين النصرة والدولة.. مهمة التحكيم الصعبة.

في عام 2013، ومع تصاعد الاقتتال بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية، كلّفه أيمن الظواهري بمهمة التحكيم بين الطرفين، نظراً لعلاقاته القديمة مع رموز القاعدة، ولثقة الأطراف المتنازعة به.

أصدر بياناً شهيراً في كانون الثاني/ يناير 2014، دعا فيه عناصر تنظيم الدولة إلى “التوبة”، منتقداً انحرافهم عن منهج الجهاد السوي، ومؤكداً أنّه أمضى عمره مع “الأكابر” ويعرفهم حقّ المعرفة. هذا الموقف جعله هدفاً مباشراً للتنظيم، الذي اعتبره خصماً فكرياً وسياسياً.

موقفه السياسي: الثورة ليست غنيمة.

رغم خلفيته الجهادية، رفض أبو خالد الانخراط في التنظيمات العابرة للحدود، ونفى في بيان عام 1999 أيّ عضوية رسمية في القاعدة. كان يرى أنّ الثورة السورية يجب أن تكون مستقلة، وأن لا تتحول إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات الدولية أو الأيديولوجية.

انتقد بشدة سلوك الفصائل المتشددة، وعبّر عن قلقه من تدفق المقاتلين الأجانب الذين لا يفهمون طبيعة المجتمع السوري. سعى إلى بناء خطاب سياسي جامع، يراعي التنوع السوري، ويرفض الطائفية والغلو.

اغتيال رجل التوازن.

في 23 شباط/ فبراير 2014، اقتحم 5 مسلحين مقر أبو خالد في مدينة حلب، وأطلقوا النار عليه، قبل أن يفجّر أحدهم حزامه الناسف، ما أدى إلى مقتله و6 من مرافقيه. اتهمت حركة أحرار الشام تنظيم الدولة الإسلامية بالوقوف وراء الهجوم، في إطار تصفية القيادات غير المنضوية تحت رايته.

رحيله شكّل صدمة في صفوف الثورة، خاصة أنّه كان يُنظر إليه كصمام أمان، وكمحاولةٍ نادرة للجمع بين الفكر والجهاد، وبين التنظيم والانفتاح.

إرثه في الذاكرة الثورية.

اليوم، يُذكر أبو خالد السوري بأنّه أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في مسار الثورة السورية المسلحة. لم يكن مجرّد قائد، بل كان عقلاً استراتيجياً، وضميراً حياً، حاول أن يمنع الانزلاق نحو الفوضى، وأن يحافظ على جوهر الثورة في وجه التشظي والغلو.

في زمنٍ كثرت فيه الرايات وتعددت الولاءات، بقي أبو خالد السوري صوتاً نادراً، يذكّر الجميع بأنّ الثورة ليست فقط بندقية، بل فكرة، وأنّ الجهاد لا يُقاس بعدد القتلى، بل بعدد القلوب التي تؤمن بالحقّ.

 

شارك

مقالات ذات صلة