مدونات

أصوات خلّدت لحظة تحرير سوريا

ديسمبر 1, 2025

أصوات خلّدت لحظة تحرير سوريا

سنوات من الصمت، سنوات من الخوف، سنوات من الحرمان والظلم، سنوات كانت كلّ لحظة فيها تُثقل القلوب، تُقيّد الأنفاس، وتحوّل الحياة إلى انتظار لا ينتهي.
عاش الشعب السوري خلف الجدران والأبواب المغلقة، يلتقطون الأخبار مثل شظايا، ويراقبون الظلام وهو يبتلع أحلامهم واحداً تلو الآخر، ومع ذلك، ورغم كلّ ما أثقله الليل فوق أرواحهم، بقيت شعلة صغيرة لا تنطفئ رغبة صلبة في لحظةٍ تعيد لهم صوتهم، وجودهم، إنسانيتهم.

وجاءت ليلة الثامن من ديسمبر لم يبدأ اليوم بضوء الفجر، بل بزخم انفجر من قلب العتمة نفسها في تلك الساعات الأولى، انكسرت القيود التي رافقتهم لسنين طويلة، وانطلقت أصوات الحرية من بين الركام.
لم تكن مجرّد هتافات، بل إعلاناً حاسماً ومباشراً: الشعب عاد، والوطن يتنفّس مجدداً.

أصوات المساجين.. صوتٌ يُكمل آخر أنفاس الليل.

ذلك اليوم لم يكن نهاية حرب فقط، بل بداية مرحلة يستعيد فيها السوريون حقّهم الطبيعي في أن يعيشوا بلا خوف، بلا أوامر، بلا ظلال ثقيلة تتحكم بمصيرهم.
كان يوماً وُلدت فيه البلاد مجدداً، واكتشف فيه الشعب كيف تبدو الحرية حين تتحوّل من حلم مؤجّل إلى واقعٍ واضح، ملموس، يملأ الشوارع والقلوب معاً.

الله أكبر الله أكبر.. ارتفعت هذه الصرخة من حناجر المساجين المحررين، ملأت الزنازين والطرقات والشوارع والبيوت والمآذن، لتعلن بداية الحرية بعد سنواتٍ من القيد والخوف. أصوات المساجين بقيت خالدة في ذاكرة ملايين السوريين، تتعانق مع تكبيرات التكبير التي دوّت في كل مكان، وامتزجت بصدى أصوات قادمة من أعماق الزنازين نفسها.

وفي زاوية أحد الممرات المظلمة، دوّى صوت امرأةٍ ضعيفة تسأل عن هويتها، كأنّها لا تصدق أن الجدران التي سجنت اسمها قبل جسدها قد انهارت، وأنّ النظام الذي كان يخيّم بثقله على أرواحهم قد سقط بالفعل.

كان ذلك الصوت المرتجف بين الخوف واليقين شاهداً على لحظةٍ تشبه المعجزة؛ لحظة عاد فيها الإنسان إلى اسمه، وإلى حريته.

أصوات صادقة.. اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي

تحوّلت أصوات الحرية تلك إلى ترند عالمي، لما حملته من صدقٍ وشهادة حية على لحظة تاريخية لا تُنسى. نشرتها عدة محطات عربية، لتصل إلى كلّ زاوية في الوطن العربي، فشاهد العالم الشعب السوري وهو يحتفل بسقوط النظام. من بين تلك اللحظات الخالدة  حيث أعلن المذيع حسين الشيخ في بثٍ مباشر: “الساعة الآن السادسة و18 دقيقة تماماً بتوقيت دمشق، سوريا بدون بشار الأسد”.

كانت كلماته بمثابة تأكيد رسمي على حقيقة الحرية.

من بين الأصوات التي خلدت تلك اللحظة وفجّرت مواقع التواصل الاجتماعي، برز صوت الشاب الحلبي محمود خرفان، واقفاً في أحد شوارع قرية أعزاز عند الساعة السادسة و10 دقائق من صباح يوم التحرير، يصدح بصوتٍ مَشحونٍ  بالدموع والفرح، ليتحوّل لاحقاً إلى الصوت الذي رافق كلّ المقاطع الموثّقة لمشاهد  سوريا: “يا أهل الحارة.. بشار سقط بشار سقط”

وفي لحظةٍ واحدة، انطلقت الزغاريد من كلّ بيتٍ، امتداداً لفرحةٍ طال انتظارها؛ وكأنّ المدينة بأكملها تُحيّي ميلاد الحرية بعد سنواتٍ طويلة من القهر. وهكذا صارت تلك الأصوات، الشعبية والإعلامية معاً، سمفونيةَ الحرية التي عاشها السوريون في ذلك اليوم التاريخي.

 

أصوات الهروب.. الفلول التي أدركت النهاية.

بين أصوات الزغاريد والفرح، كان هناك صوت سيارات الهاربين من فلول النظام القديم تتردد في الشوارع ليلاً، محملة بالخوف والارتباك، كأنّ كلّ من فيها يحاول الهروب من مواجهة الحقيقة التي طالما حاول قمعها.

أكد السيد مصطفى أنّ جيرانهم في الطابق العلوي كانوا يهربون منتصف الليل، أصواتهم ترتجف خوفاً وقلقاً، على عكسنا تماماً، فنحن كنّا مظلومين لكنّنا أحرار، وهم ظالمون لكنّهم اليوم يركضون في ظلام الليل، يهربون من أهالي الشهداء. وكانت هذه الأصوات، بين خوف الهاربين وفرح المحررين، دليل حي على نهاية عهد القهر وبداية الحرية.

وليس فقط صوت الشعب داخل البلاد من ملأ العالم، بل أيضاً صوت المغتربين. تحدّثت الباحثة النفسية آلاء الدالي عن موقف شخصي لها، حيث اختلفت مع صاحب بيت بسبب الإيجار، لكنّه لم يعد مهماً بعد الآن، لأنّ الوطن عاد إليها، وصوتها أصبح مسموعاً يمكن أن يُرفع بلا خوف. وأكدت أنّ أحرار البلاد جعلوها تظهر خريطة بلدها في أماكن العامة بدون تردد أو شعور بالخجل من نظرة المجتمع للاجئ، لأنّها لم تعد لاجئة، بل أصبح لها وطنٌ يحمها ويعطي صوتها قوة.

وفي نهاية ذلك اليوم التاريخي، ارتدت سوريا ثوبها الجديد، ثوب الحرية والكرامة. كانت أصوات الناس، صرخاتهم وزغاريدهم، شاهدة على انتصار الحقّ على الظلم، وعلى نهاية عهد القهر الذي طال سنين.

عاد الإنسان إلى اسمه، وامتدت الحرية من الزنازين إلى الشوارع، ومن القلوب إلى السماء، لتظل ذكرى يوم التحرير محفورة في وجدان كلّ سوري، يومٌ لن يُنسى، يومٌ أعاد الأمل إلى وطنٍ طالما انتظر الفجر.

 

شارك

مقالات ذات صلة