سياسة

الشرع يعيد تعريف سوريا في واشنطن

نوفمبر 14, 2025

الشرع يعيد تعريف سوريا في واشنطن

ذات الشاب الذي حارب القوات الأمريكية في العراق، يخطو عتبات البيت الأبيض كأوّل رئيس سوري يزور الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة حملت الكثير من الرسائل، أعاد فيها تعريف مكانة سوريا في عيون العالم، بعد أن حُرمت من اختيار علاقاتها وأدخلها حزب البعث في ظلمات الشعارات الفارغة من محاربة الإمبريالية، والانحياز الكامل إلى المعسكر السوفييتي.

سوريا في قلب التحالف الدولي.

تزامنت الزيارة مع حملات أمنية واسعة في محافظات سورية عديدة، داهم فيها الأمن الداخلي بالتعاون مع جهاز الاستخبارات أوكاراً لتنظيم داعش، صادر خلالها أنواعاً مختلفة من الأسلحة، واعتقل أعضاء الخلايا، ما يعني أنّ الجميع كان تحت المراقبة خلال الشهور الماضية، والوقت قد حان لتبعث دمشق بأول رسالة في هذه الزيارة تؤكد فيها خبرتها العملية في ملف مكافحة الإرهاب، وهي أدرى بشعاب داعش التي كسر شوكتها وشرّدها الرئيس الشرع وفريقه، وتجربة الرجل في إدلب تشهد له إذا قارنتها مع حالات الفشل والإخفاقات التي ارتبطت بكلّ سلطات الأمر الواقع آنذاك، عندما كانت مفخخات داعش تضرب في عمق مناطق سيطرتها، وعجزت عن تحقيق اختراقات في إدلب، وتتابع لتقول لواشنطن إنّ ما بعد هذه اللحظة التي جمعت الكبار سينتقل التنسيق ليكون معنا بشكل مباشر، وحالة الضرورة والاضطرار إلى التعامل مع فواعل ما دون الدولة يجب أن تنتهي، في إشارة واضحة لمليشيا قسد، لا سيما مع فشلها قبل فترة قصيرة في عملية إنزال جوي ورّطت بها التحالف، وتبيّن أنّ الهدف الذي قتل في العملية لا تربطه أيّ صلة بتنظيم داعش.

ما بعد هذه الزيارة، أصبحت سوريا العضو التسعين في التحالف الدولي وشريكاً أساسياً في تعزيز الأمن الإقليمي.

انتزاع الشرعية.

الزيارة بذاتها مع إعلان افتتاح السفارة السورية في واشنطن تعني اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية الحكومة التي انبثقت بعد معركة عسكرية وطنية حررت الإنسان السوري، وانتزعت الأرض من الغزاة، ووصل الشرع إلى قصر الشعب بوصفه قائداً عسكرياً جاء من أقصى البلاد بعد مسيرةٍ طويلة، وفرض سردية الثورة، وانتزع احترام القريب والبعيد عنوة، بالحسم العسكري المهيب، لا بالحلّ السياسي الذي توصّل إليه بوصفه عضواً في الائتلاف الوطني أو وزيراً في حكومة عبد الرحمن مصطفى أو رئيساً للجنة الدستورية.

 وعندما كان جميع من ذكرت منهمكاً في تقديم التنازلات والانفصال عن الواقع والانعزال عن المجتمع السوري في الداخل وانحدار رصيدهم وخطهم البياني، كان الرئيس الشرع على تواصل مباشر مع كتلة الثورة وصفوتها في المناطق المحررة وجمع بين القلم والسلاح، بتقديم نموذج إدارة مدنية مدعومة بالإعداد والتجهيز العسكري وتصيّد اللحظة المناسبة ليميل على جيش العدوّ ميلة واحدة، ولأنّ الرائد لا يكذب أهله لم يقف في الساحات ليتكلم من ضعف ويتحدّث عن مظلومية الثوار السوريين، وهم الذين وقع عليهم ما وقع من أذى وقهر لم تشهده كلّ ثورات الربيع العربي، ويفعل خصومه اليوم من أعداء الداخل زوراً وبهتاناً، لأنّهم يريدون بسوريا كيداً ويتمسحون بعلم إسرائيل تارة وبعلم الولايات المتحدة تارة، ولا يعلمون أنّ باب البيت الأبيض أتاه الرجل بحكمةٍ ودهاء وسياسة يفتقدون جميعها، وقبلها قوة لافتة تحدث عنها الرئيس ترامب مراراً، “إنّه شاب وسيم ولديه ماضٍ قوي وصعب”، ويبرّر له “كلنا لدينا ماضٍ صعب”.

 والرجل لم يتجرّد من ماضيه الذي يهرع إليه خصوم سوريا ليذكّروا الناس به، ويظنّون أنّهم يسجلون نقاط عليه وهو الذي أكد أنّه يفخر بكلّ مرحلة مر بها، لأنّه يدرك أنّ شخصه نتاج كلّ ما مضى، وسأعود يوماً إلى هذا المقال لأذكّر الانفصاليين بحجمهم الذي يصنّف ضمن الفواعل الأقزام ووزنهم الذي لا ذكر له في مراكز صنع القرار عند واشنطن، وحتى تل أبيب، التي تستخدمهم أدوات ضغط وابتزاز لتحصيل مكاسب في المفاوضات الحالية، وسترمي بهم عندما تتوصل لإعلان اتفاق أمني رسمي مع سوريا، فلا أحد معني بإقامة كنتونات داخل الدولة، والجميع مهتم بالإصغاء إلى صوت دمشق ومنحها فرصة تاريخية.

سردية الخصوم وكاريزما الرئيس

تلقفت الصفحات الصفراء صورة الرئيس أحمد الشرع وفريقه، وهم يجلسون أمام طاولة الرئيس ترامب ليحكموا على الزيارة من منظورٍ سلبي، رغم كونه بروتوكولاً متعارفاً عليه في البيت الأبيض، ويتحدثون عن دخوله من الباب الخلفي للتقليل من أهمية الزيارة، ينشغل الخصوم المفلسون بالتفاصيل الثانوية، ويفاجئهم الرئيس بعد أن ملؤوا مواقع التواصل ضجيجاً بمشاهد جديدة تظهر أريحية عالية في اللقاء، وقد بادر الرئيس ترامب بنفسه لتقديم زجاجة عطر فاخرة ورش العطر على الرئيس وفريقه وقدم الرئيس الشرع مجموعة هدايا رمزية بينها أول أبجدية كتبت في التاريخ، من سوريا أرض الأبجدية ومهد الحضارات نمد جسور الحوار وننشد لغة السلام فأتبعها بأول نوتة موسيقية، وأول تعرفة جمركية في التاريخ، ليقول من خلالها إنّ سوريا تسعى بعد انتصارها لبناء علاقات اقتصادية متينة وفتح باب التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات وتسهيلها لبناء الدولة السورية الحديثة بسواعد أبنائها دون أن تكون عبئاً على غيرها، فهي لا تريد أن تغرق نفسها في الديون أو تتسول الإعانات، أو تصدّر أزمات داخلية.

من أُوتي الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيراً، والعاقل من عرف كيف يُقرأ الواقع وأدرك حجم الدعم الدولي غير المسبوق لسوريا، وخرج من ظلمات الوهم، وحرّر نفسه من الوعود والأكاذيب التي يعزفها حكمت الهجري ومليشيا الحرس الوطني، لتخدير الناس والتلاعب بمصيرها ومستقبل أبنائها، لا سيما مع قرب مرور عام على التحرير، أمضى فيه السيد الرئيس وفريقه من الوقت في الطائرات أكثر ممّا أمضوه في القصر، بحثاً عن مستقبل آمن لجميع السوريين، فإمّا أن تكون شريكاً وطنياً فيه، أو تكون بيدقاً رخيصاً ما من مأوى له على هذه الأرض إذا باعه مَن اشتراه، وأراه قريباً.

شارك

مقالات ذات صلة