مدونات
إلى جانب الحرب الموازية التي تشنّها إسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي استدعت أن يترك جنود الميدان الإسرائيليين الساحة الميدانية على أرض غزة، في ظل الحرب والإبادة الجماعية القائمة؛ للتفرغ للمعركة الرقمية على وسائل التواصل الاجتماعي، كما فعل (حنايا نفتالي) المقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، وغيره.
إلى جانب ذلك؛ تدهشني المعركة النفسية الداخلية للشارع الفلسطيني داخل غزة نفسها وخارجها في فلسطين عامة، حيث إنّ ردود الأفعال العدائية لدى شريحة كبيرة من الناس غير قائمة على منهجية واضحة في موقفهم من الحرب القائمة من جهة، وفي الأمور الحياتية الاجتماعية من جهة أخرى، وإنما هي ردود أفعال وأفكار مشخصنة، مفادها: “إذا كنت لا توافقني الرأي فأنت عدوّي”، لتبدأ الشتائم والألفاظ الجارحة وحذف الصداقات والحظر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأرض الواقع كذلك؛ فضلًا عن المشاجرات، بسبب أمور غاية في البساطة، ولا تحتاج إلى ذلك التعقيد وتحميل الأمور ما لا تحتمل.
هذه الظاهرة استدعتني للبحث من جديد في السلوك البشري وأنماط الشخصيات المختلفة ومدى تأثير الحرب ومجرياتها عليها إيجابًا وسلبًا، مما قادني ذلك -في هذا الوقت تحديدًا- إلى الذهاب في رحلة شيّقة مع الكاتب (توماس إريكسون) في كتابه “محاط بالحمقى”، الذي استطاع أن يفكّ كثيرًا من الرموز الغامضة لدى السلوك البشري، وردود أفعالهم المتباينة تجاه الحرب، وتأثيراتها على كل من الداخل والضفة وقطاع غزة.
يستقصي إريكسون في كتابه “محاط بالحمقى” الطبائع البشرية، حيث يستكشف علم النفس التطبيقي والسلوك البشري، ويقدم بأسلوب سهل وواضح فهمًا عميقًا وشاملًا للسلوك البشري وكيفية التعامل مع الآخرين بفاعلية، مستندًا إلى علم النفس والأبحاث الحديثة في مجال التفاعلات البشرية.
يستعرض إريكسون، في كتابه، أربعة أنماط رئيسية للشخصيات، وكيف يمكن للأفراد التعرف إلى هذه الأنماط والتفاعل مع الآخرين بفعالية، كما يتناول استراتيجيات التواصل والتفاعل مع الأشخاص من أنماط مختلفة، ويقدم تصنيفًا معقدًا للشخصيات البشرية، يقسمها إلى أربعة أنماط رئيسية: الأحمر/مهيمن، والأصفر/ملهم، والأخضر/متزن، والأزرق/تحليلي، هذا التصنيف يستند إلى اختلافات في السلوك والاتجاهات والاحتياجات الشخصية، معتمدًا نظام ديسا (DISA): الهيمنة والتأثير والخضوع والقدرة التحليلية: (Dominance Inducement Submission Analytic ability)، هذه المصطلحات الأربعة هي أنماط الشخصية الأساسية التي تصف كيف يرى الناس أنفسهم في علاقاتهم ببيئتهم، يرتبط كل نمط بلون وحرف يختصر المصطلح.
إنّ أهم ما يميز هذا الكتاب قدرته على تزويد القراء بأدوات فعالة لفهم الآخرين، والتفاعل معهم بفعالية أكبر، حيث يقدم أمثلة واقعية وسيناريوهات عديدة توضح كيفية التعرف إلى الأنماط المختلفة وكيفية التعامل معها بنجاح، ويعتمد استراتيجيات عملية للتفاعل مع الأشخاص من أنماط مختلفة، كما يساعد في تحسين مهارات التواصل وبناء علاقات أفضل في العمل والحياة الشخصية.
يجعل الكتاب المفاهيم النفسية المعقدة سهلة الفهم والتطبيق للقراء، ويعتمد الكتاب على القصص الشخصية والأمثلة الواقعية التي تجعل المحتوى أكثر إلمامًا وإقناعًا. بعض الأفكار المستوحاة من الكتاب تتلخص فيما يأتي: “كل شخص يحمل أنماطًا فريدة في طريقة تفكيره وتصرفاته، التفاهم المتبادل هو المفتاح لبناء علاقات ناجحة”، “الأشخاص من الأنماط المختلفة يتحدثون لغات مختلفة، ويعبرون بأشكال مختلفة، من الضروري أن نتعلم كيف نفهم لغتهم لنحقق التواصل الفعال”، “لا يوجد أنماط سلبية أو إيجابية، كل شخص يحمل قوى وضَعفًا، التحكم في تفاعلاتنا يتطلب فهم هذه القوى والضعف”، “التواصل الناجح يعني تكييف استراتيجيتك مع أنماط محيطك وتحفيزهم بناءً على احتياجاتهم”، “توجد العديد من الأدوار الناجحة في المجموعات التي تتعامل معها، ولكن الفهم الجيد للأنماط يسهم في تقديم النتيجة الأفضل”.
يعدّ هذا الكتاب من الكتب المهمة جدًا، التي أنصح بقراءتها؛ لتحسين العلاقات الإنسانية وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، لنكون قادرين على التماسك في وطن على حافة الانهيار.
*هذه المدونة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر منصة سطور