سياسة

العميل السوري الذي أحرج الدنمارك

أكتوبر 31, 2025

العميل السوري الذي أحرج الدنمارك

الكاتب: علي الجاسممن زنزانة في مدريد إلى قاعة المحكمة العليا في كوبنهاغن، تنقلت قصة أحمد سمسم بين الاتهام بالإرهاب والاعتراف الرسمي بأنّه كان جاسوساً لصالح دولته.القرار الذي صدر 2 أيلول/ سبتمبر 2025 لم يكن عادياً؛ بل فضيحة من العيار الثقيل وضعت أجهزة الأمن والاستخبارات في الدنمارك في موقفٍ حرج، وكشف كيف يمكن أن يضيع مصير إنسان في لعبة المصالح.   الأصول والهوية أحمد سمسم وُلد في الدنمارك، وهو ابن جهاد سمسم، السوري الذي هاجر من محافظة حماة إلى أوروبا بعد مجازر نظام حافظ الأسد عام 1982.نشأ أحمد في بيئةٍ مزدوجة الهوية: جالية سورية تحمل جراح الماضي، ومجتمع دنماركي يراقب أبناء المهاجرين بتخوّف مع كلّ تصاعد للأحداث في الشرق الأوسط.   الزيارة الأولى إلى سوريا عام 2012. في عام 2012، ومع بداية الثورة في سوريا، سافر أحمد إلى الداخل السوري كزائر، وبعد عودته إلى الدنمارك، اعتقلته السلطات لفترة قصيرة على خلفية الاشتباه في علاقته بالجماعات المسلحة. لكنّه خرج لاحقاً لعدم كفاية الأدلة بحسب الرواية الرسمية من الأجهزة الأمنية، ما فتح الباب أمام فصل جديد في حياته.   التحوّل إلى عميل بين 2013-2014. بعد الإفراج عنه، عاد أحمد مجدداً إلى سوريا بين عامي 2013 و2014، لكن هذه المرة بصفة مختلفة: عميل سري لصالح جهاز الأمن والاستخبارات الدنماركي (PET) وجهاز الاستخبارات العسكرية (FE).وكانت مهمته الأساسية جمع معلومات عن المقاتلين الدنماركيين المنضمين إلى التنظيمات الإسلامية المتشددة، وهو ما أكده لاحقاً القضاء الدنماركي رسمياً.   الاعتقال في إسبانيا عام 2018. عام 2018، أوقفته السلطات الإسبانية في مدريد، واتهمته بالانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والمشاركة في معارك في الرقة.اعتمدت المحكمة على صور ومواد في هاتفه المحمول، وأصدرت حكماً بسجنه 8 سنوات. لكن سمسم دافع عن نفسه قائلاً: “لم أكن مقاتلاً، كنت عميلاً لصالح بلدي”. غير أن صمته ورفض كوبنهاغن الاعتراف به جعلا كلماته محض ادعاءات فارغة في نظر القضاء الإسباني. المعركة القضائية في الدنمارك. من داخل سجنه، رفع أحمد دعوى ضد أجهزة الاستخبارات الدنماركية عام 2023، مطالباً بالاعتراف الرسمي بمهمته. لكنّ المحكمة العليا (High Court) رفضت النظر في القضية، معتبرة أنّ الاعتراف لن يؤثر في وضعه القانوني في إسبانيا، بدا حينها أنّ القصة قد انتهت.  المفاجأة القضائية في أيلول 2025. المفاجأة وقعت يوم 2 أيلول/ سبتمبر 2025، حين أصدرت المحكمة العليا الدنماركية حكماً اعتبره كثيرون بأنّه “تاريخي”: 1- الاعتراف رسمياً بأنّ أحمد سمسم كان عميلاً سرياً لصالح PET وFE في سوريا. 2- التأكيد أنّه تقاضى مبالغ مالية ومكافآت لقاء خدماته. 3- إلزام الأجهزة الاستخباراتية بتحمل تكاليف القضية. بهذا، انقلبت الرواية رأساً على عقب: من “إرهابي مدان” إلى “مخبر رسمي” جرى التخلي عنه.   التداعيات الكبرى  قانونياً، يتيح الحكم لسمسم التقدم بطلب إعادة محاكمة في إسبانيا استناداً إلى أدلةٍ جديدة.  سياسياً وأمنياً، القرار شكّل فضيحة للأجهزة الاستخباراتية، إذ كسر جدار السرية الذي اعتادت التمسك به، وأثار تساؤلات داخل الدنمارك حول حدود الرقابة والمساءلة  إنسانياً، خلّف هذا الملف قصة عائلة سورية هربت من قمع الأسد في الثمانينيات لتجد ابنها بعد عقود متهماً بالإرهاب، ثم مثبتاً كعميل في قضية عالمية.  خاتمة قضية أحمد سمسم لم تُغلق بعد، وبينما انتصر على أجهزة بلاده في كوبنهاغن، يبقى مصيره معلّقاً في مدريد، حيث ينتظر أن يعاد النظر في الحكم الإسباني. السؤال الآن: هل سيتحوّل اسمه من “مقاتل مشتبه به” إلى “مخبر ضحية لعبة استخباراتية”؟ الجواب رهن ما ستقرّره المحاكم الإسبانية في الفصل الأخير من هذه القصة.
شارك

مقالات ذات صلة