Blog
الكاتبة: رانية عيسى عطاالله
أقلّ من ربع قرنٍ باثنين، ولا أزال أحدّث نفسي بأنّها فرصة جديدة لمراجعة الأدوار والدوائر، وناقوسٌ للعودة إلى الله، ومحركٌ لتهذيب النفس، وأداةٌ لتقويم الحياة الأسرية، وطريقٌ لتوسيع دائرة الاستعداد والحصاد.
وإني آمنتُ أنّ الانتقائية سبيلٌ لحياةٍ أصفى، وأنّ الأسلوب أساس التعايش، وأنّ ادخار المشاعر لمن يستحقّها أسمى أنواع الاكتناز، وأنّ إهدارها أخطر أشكال الإسراف، وأنّ التوازن في كلّ شيءٍ حياة.
وأدركتُ أنّ لهفة زراعة الأمل تتعزّز بقدر ما يشتدّ اليأس، وأنّ الظروف ليست شمّاعة للتأخر، وأنّ الاستسلام خيارٌ مقرونٌ بالرفض إذا ما نافس الإرادة، وأنّ الأثر قرار، والعمل لأجله زاد، وتركه إرثٌ لما بعد الرحيل.
آمنتُ أيضًا أنّ الدين معاملة، وأنّ صدق الرفقة يهون مشقة الدنيا، وأنّ الهدايا لا تُقاس بالتغليف، فالمعنى أسبق من المظهر.
لقد أيقنتُ أنّ الاستعاذة من وعثاء الطريق لا تقتصر على وقت الركوب، فكلّ الحياة سفر، وأنّ الخير فضل، والشر خيار، وأنّ الحب يفقد أصله إذا تجرد من الاحترام، وأنّ الروح تفقد بهاءها إن قبُح السلوك، وأنّ الطموح يخسر معناه إن غاب السعي، وأنّه لا يتوقف عند حدّ العمر، فالمعالم مرآة الزمن، والمتغيرات بصمة الحياة، والأرواح هي من تحدد الأعمار.
وأدركتُ أنّ الاتكاء في المحن لا يكون إلا على قوله تعالى: «وبشر الصابرين»، وأنّ الحمد في الخير خيرُ إجابة على سؤال الحال، وأنّ السرّ مكشوفٌ إن أُفشي لغير أهله، وأنّ إزهار القلوب محفوفٌ بغيث دعاء الأولياء.
رحلة جديدة… وما دمتُ أُوقن أنّ العافية أجلّ النعم، وأنّ النجاح لذةٌ حين يعزّز مشاعر الفخر المشترك، وأنّ الاستخارة سرّ بسيط لجلب التيسير، وجواب بليغ ممهور بالطمأنينة، وأنّ الاستشارة خلاصة خبرة، وأنّ الحقائق عرضة للانقلاب حين تُصبح الوقاحة ميزة، والوضوح ذنبًا، وأنّ الاسترخاء للتدبير خير مقاومةٍ لفوضى التفكير، وأنّ الدعاء سلاح، وأنّ الحيرة أقسى من اتخاذ القرار.
أيقنتُ أيضًا أنّ الولاء رابطةٌ تُقاس بمعاملة الأشخاص، وأنّ الانتماء وسيلةُ اتصالٍ بالأماكن، وأنّ العزلة غيابٌ وسط الجميع، والوحدة شعورٌ بالعزلة بين الكل، وأنّ سلامة العلاقة مرهونةٌ بغياب سوء الظن، وأنّ الشكّ معاملةٌ في طريق الحقيقة، وأنّ الامتنان مغناطيس البهجة، وأنّ بادئة الشكر لله مهما بلغت أفضال العالمين.
ثلاثة وعشرون عامًا مضت، ولا زلت أؤمن أنّ جمال الهدف مقتبسٌ من سمو الغاية، وأنّ مكانة الأم محصّنة من كلّ أشكال الاحتلال، فالأم أجمل هدايا القدر: تفردٌ في الحب دون انتظار، وعلوّ في مقدار العطاء، وفوزٌ في دعوات القلب، وعنادٌ في حضرة الألم، وضغطٌ على التعب في سبيل راحة الغير، وقدرةٌ على كساء الحزن بابتسامة مبتكرة لأجل فرحة الفؤاد المقابل.
ثمّ أضمّ قلبي وأذكّره أنّ حنان الدنيا بين راحتي الوالدين؛ وأنّ الأب السبّاق في تجاوزه للاستطاعة عند البذل، وأنّ الاتكاء على مساحة السكينة لا يكون إلا على ظهره، وأنّ الأقدام الساعية لحاجاتنا هي الأحق بالصون بعد القبلة. فلا أعظم من أمٍّ تمسح على رأسك بآيات القرآن، وأبٍ يوصيك بالدين.
أتناغش مع أيلول لأطبع في ذاكرته أنّ المودّة أجمل المشاعر وأدومها، وأنّ خير الطمأنينة راحة القلب، وأنّ صدق اللطف أساس العلاقة، وأن الرزق هيئاتٌ وأشكال، وأن القلب خيرُ مفتٍ للخطوات، وأنّ أقدس الرباط هو رباط الستر والعفة، وأنّ أعظم المشاعر الرضى، وأبهجها الفرح، وأسلمها التفاؤل، وأنّ الوفاء قرين الصدق إن حضر بين الصحاب، وأنّ عدالة الأرض مزيفة، وأنّ الهدايا صِلة، وأنّ النجاح غير محتكر على النفس، فالفخر مقسومٌ بين البالغ وأهله كما التعب، وأنّ الوصول بعد الاجتهاد توفيق، وأنّ العبث هو رجاء الالتزام ممّن لا يصلي، وأنّ التعادل ليس شرطًا في ميزان الحقّ والواجب، وأنّ البشر لا يُعنَون بالأسباب بقدر ما يركّزون على النتيجة.




