Blog

التضحية بالحُبّ من أجل الحريّة: Casablanca  

أكتوبر 18, 2025

التضحية بالحُبّ من أجل الحريّة: Casablanca  

يُعَدّ فيلم “كازابلانكا”، الذي أُنتج في عام 1942، واحدًا من أهمّ الأفلام في تاريخ السينما، وأخرجه “مايكل كورتيز” دون أن يدرك هو ولا طاقم العمل أنّهم كانوا يصنعون فيلمًا عظيمًا، فقد كان مجرّد إنتاجٍ متواضع من شركة وارنر براذرز بميزانية لم تتجاوز مليون دولار، لكنّ القدر كتب له أن يُخلّد في التاريخ.

عند عرضه الأول في دور السينما في أمريكا، لم يتوقّع أحد أن يحقّق الفيلم هذا النجاح الهائل في شباك التذاكر، خاصةً وأنّه صدر في خضمّ الحرب العالمية الثانية، وسط عشرات الأفلام التي تناولت موضوع الحرب نفسها، لكن ما ميّزه أنّه لم يكن فيلمًا عن الحرب، بل عن الإنسان وسط الحرب، وعن أولئك الذين يضحّون بالحبّ في سبيل الحريّة، وقد لامس وجدان الناس في لحظةٍ كان فيها العالم بحاجة إلى الأمل.

قام الكاتب “جوليوس جي إبستين” وشقيقه التوأم الكاتب “فيليب جي إبستين” بالتعاون مع الكاتب “هاوَرْد كوتْش” باقتباس النص السينمائي من مسرحية عاديّة عُرضت في عام 1940، ولم يكن لها أيّ صدىً في الساحة الفنّية، بعنوان “الجميع يأتي إلى مقهى ريك”، وهي للكاتبَيْن “موراي بِرنيت” و”جُون أليسون”، وقد كانت عبارة عن مجموعة مذكّرات و قصاصات لحواراتٍ مبعثرة. ما ساعد في ترسيخ النص السينمائي وحبكِه في أذهان الكُتّاب الثلاثة هو تفاعل الممثلين مع الشخصيات التي يؤدّونها في القصّة وتعاونهم جميعًا من أجل إعادة ترميمها بالشكل المطلوب.

تبدأ الأحداث في مدينة كازابلانكا، التي تعجّ بالجواسيس واللاجئين والنازيين، وهناك يدير الأمريكي الغامض “ريك بلين” مقهىً أصبح ملتقى لكلّ الأطراف، وفجأة تأتي امرأة لم يتوقع رؤيتها مجددًا، وهي “إلسا لوند”، التي أحبّها في باريس قبل الحرب، والتي ظنّ أنّها خذلته في أكثر اللحظات وجعًا، حين تركته ينتظرها وحيدًا تحت المطر في محطة القطار، حاملاً تذكرتي هروب لم يستعملهما قط.

تعود “إلسا” الآن، ولكن برفقة زوجها “فيكتور لازلو”، أحد رموز المقاومة الفرنسية، ومع ظهورها يتفجّر الماضي في وجه “ريك”، وتبدأ معركة بين الحب والضمير، وبين ما يريده وما يجب عليه فعله.

ما يميّز الفيلم أنّه لا يقدّم شخصيات خيّرة أو شريرة بالمطلق، فالجميع يتصرّفون وفق منطق البقاء والكرامة في زمنٍ قاسٍ. إنّهم يخطئون ويكذبون ويخونون، لكنّهم في النهاية يبحثون عن بصيص شرف وسط فوضى الحرب، وهنا تتجلّى روعة النص السينمائي في أنّه يقدّم نهاية ليست “سعيدة” بالمعنى التقليدي، بل سامية ومؤلمة في آنٍ واحد.

قد يظن معظم المشاهدين أنّ الفيلم تم تصوير أحداثه في مدينة كازابلانكا في المغرب كما يفترض بها أن تكون، ولكن في الواقع تمّ تصويره بالكامل في ستوديوهات هوليوود في كاليفورنيا.

جمع الفيلم نخبة من عمالقة هوليوود في ذلك العصر: “هامفري بوغارت” في أداءٍ مذهل بشخصية “ريك بلين”، و”إنغريد بيرغمان” التي أبدعت في تجسيد شخصية “إلسا لوند”، و”بول هينريد” بشخصية “فيكتور لازلو”، إضافةً إلى “كلاود رينز” بشخصية الكابتن “لوي رينو”.

فاز الفيلم بـ 3 جوائز أوسكار، لأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نصّ سينمائي، وترشّح لـ 5 جوائز أخرى، لأفضل ممثل “هامفري بوغارت” وأفضل ممثل مساعد “كلاود رينز”، وأفضل تصوير وأفضل مونتاج، وأفضل موسيقى تصويرية لـ “ماكس شتاينر”.

أغنية “All Times Goes By” الخاصة بـ “ريك بلين” و”إلسا لونْد” في الفيلم هي أغنية جاز كتب كلماتها ولحّنها “هيرمان هابفيلد” في عام 1931، واشتهرت بشكلٍ واسع حين تمّ عزفها وغناؤها لاحقًا في الفيلم بصوت “دولي ويلسون”، الذي أدّى شخصية “سام”، وإلى يومنا هذا تُعتَبر هذه الأغنية من أشهر أغاني الأفلام وأكثرها شعبية.

ليست الأغنية وحسب، بل حتى حوارات وعبارات الشخصيات في الفيلم ظلّت رنّانة في أذهان المشاهدين بمرور الأعوام، وأكثر العبارات شهرة هي حين قال “ريك بلين” لـ “لُوِي رينو” في نهاية الفيلم: “أعتقد أنّ هذه هي بداية لصداقة جميلة!!”، ولا يزال الفيلم محافظًا على مكانته الرفيعة، وهو يحتلّ اليوم مركزًا متقدّمًا في قائمة أفضل 250 فيلمًا في موقع imdb حسب تصويت الجمهور.

 

شارك

مقالات ذات صلة