فنون
“قلعة كاليوسترو” هو أول فيلم سينمائي للكاتب والمخرج “هاياو ميازاكي”، وقد عمل عليه بعد عامٍ واحد من انتهائه من كتابة وإخراج المسلسل المدهش “كونان: فتى المستقبل”، والمعروف في العالم العربي باسم “عدنان ولينا” بعد أن تمّت دبلجته للّغة العربية، وقد نال المسلسل نجاحًا مبهرًا في فترة عرضه، واستمرّ ذلك حتى يومنا هذا، وأنا شخصيًّا أعتبر هذا المسلسل من أروع إنتاجات الأنيميشن التي شاهدتها في حياتي، ولا أزال أشاهده بين فترة وأخرى.
الفيلم مقتبس من قصص المانغا والأنمي الشهيرة “لوبن الثالث” للكاتب “مونكي بانتش”، التي تدور حول لص نبيل مغامر يُدعى “لوبن الثالث”، ورغم أنّ القصص الأصلية تميل إلى الطابع الكوميدي الجريء، إلا أنّ “هاياو ميازاكي” صاغ منها فيلمًا أكثر دفئًا وإنسانية بلمساته السينمائية الفريدة، ليحوّلها من مجرّد مغامرة لص إلى رؤية شاعرية خالدة عن الحرية والشرف والحب.
تبدأ أحداث هذا الفيلم مع اللص “لوبن الثالث” وصديقه “جيغن” اللذين يقومان بسرقة أحد الملاهي الليلية ويكتشفان أنّ النقود جميعها مزوّرة، وبعد مطاردة شرسة لسيارتهما يلتقيان بالصدفة بفتاةٍ جميلة تُدعى “كلاريس”، وهي أيضًا مُطارَدة من قبل مجموعة من اللصوص.
“لوبن” الشجاع ينقذ الفتاة من أولئك اللصوص، ولم يتوقّع أنّ سبب مطاردتهم لها هو رغبتهم في العثور على كنز “كاليوسترو”، وهذه الفتاة هي في الواقع أميرة قلعة “كاليوسترو” وخاتمها هو المفتاح للوصول إلى الكنز، وهي مجبرة الآن على الزواج من الكونت الشجع الذي يطمح في الحصول على الكنز.
“لوبن” نفسه كان يبحث عن هذا الكنز ويريد الحصول عليه، وهو الآن مُطارَد من الشرطة، ولكن ما الذي يهمّه أكثر؟! الحصول على الكنز أو إنقاذ الأميرة “كلاريس”؟!
المَشاهد التي صمّمها “هاياو ميازاكي” بدت وكأنّها لوحاتٌ فنية نابضة بالحياة، ومنها مشهد المطاردة الشهير في الطريق الجبلي، حيث تتحوّل السيارات إلى كائنات حية تقفز وتتلوّى في حركات شبه مستحيلة، لكنّها تظلّ واقعية في إطارها الخيالي، وقد وصفه المخرج “ستيفن سبيلبيرغ” بأنّه واحد من أروع مشاهد الأكشن التي شاهدها في حياته.
استوحى “هاياو ميازاكي” تصميم قلعة كاليوسترو من رحلاته إلى فرنسا وموناكو وسويسرا، فبدت وكأنّها تحفة معمارية تجمع بين الطراز القوطي والطراز الباروكي، ومحاطة بأنهار وجسور مستلهمة من بلدة آنسي الفرنسية ذات الجمال الأخّاذ، وقد صرّح المخرج “غور فيربينسكي” بأنّ تصميم القلعة في الفيلم كان مصدر إلهام لقلعة “باربوسا” في سلسلة أفلام “Pirates of The Caribbean”.
قدّم “هاياو ميازاكي” نسخة مختلفة من “لوبن الثالث” عمّا اعتدناه في الأعمال السابقة، فهو ليس مجرّد لصٍ ساخر أو زير نساء، بل بطل نبيل يتحرّك بدافع العدالة، ويملك حسًّا أخلاقيًّا عميقًا رغم لجوئه إلى السرقة لكشف الحقيقة ومواجهة الظلم، على طريقة “روبن هود” الذي يسرق لا لمصلحته، بل لنُصرة المظلومين.
برزت في الفيلم البذور الأولى للثيمات التي ستغدو لاحقًا علامة فارقة في عالم أفلام “هاياو ميازاكي”: الحنين إلى الطفولة، والإيمان بالخير وسط الفساد، والسعي إلى الحريّة في عالمٍ تهيمن عليه السلطة والمال.
رغم أنّ الفيلم لم يحقّق نجاحًا تجاريًّا ضخمًا عند عرضه لأول مرة في عام 1979، إلا أنّه بمرور الزمن تحوّل إلى تحفةٍ خالدة، ومهّدت لانطلاق المسيرة الأسطورية لـ “هاياو ميازاكي” الذي أثبت أنّ أفلام الأنيميشن ليست موجهة للأطفال فقط، بل للكبار أيضًا، حتى كسب ثقة الجميع بتأسيسه لأستوديو جيبلي في عام 1985، الذي انطلقت منه روائع أفلامه اللاحقة.


