مجتمع
تُعدّ الانتخابات النيابية لحظة محورية في حياة الشعوب، فهي ليست مجرد عملية إجرائية لتجديد المقاعد أو اختيار ممثلين بالاسم، بل هي محطة فاصلة يُعبّر فيها الناس عن آمالهم، ويمنحون ثقتهم لمن يعتقدون أنّهم قادرون على حمل صوتهم والتعبير عن تطلعاتهم. وفي ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها سوريا، تزداد أهمية هذه الانتخابات، ويتضاعف العبء على المرشحين الجدد، إذ إنّ الشعب لم يعد يبحث عن وعودٍ براقة أو شعارات عامة، بل عن أفعالٍ ملموسة وخطط عملية تحاكي الواقع وتستجيب لمطالبه.
الشعب السوري اليوم، بعد سنوات طويلة من الأزمات، ينظر إلى مجلس الشعب بعين ناقدة أكثر من أيّ وقتٍ مضى. فالمواطن لم يعد يقتنع بالخطب والشعارات، بل يريد ممثلين يلامسون همومه اليومية؛ من لقمة العيش وغلاء الأسعار، إلى الخدمات العامة وفرص العمل، وصولاً إلى القضايا الوطنية الكبرى المتعلقة بالتحرير، وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والكرامة. ومن هنا فإنّ المسؤولية الملقاة على المرشحين ضخمة، لأنّهم أمام امتحان حقيقي لإثبات أنّهم ليسوا مجرّد وجوهٍ انتخابية، بل أدوات تغيير إيجابي قادرة على الدفاع عن حقوق الناس.
أولاً: القرب من الناس. المواطن يريد أن يشعر أنّ النائب هو صوته داخل المجلس، وأنّه قادر على نقل معاناته ومشاكله بصدق وجرأة، لا أن يكتفي بالمجاملات أو يخشى قول الحقيقة. القرب هنا لا يعني مجرّد حضور اجتماعات أو لقاءات إعلامية، بل يعني النزول إلى الشارع، الإصغاء للمواطنين، ومتابعة مشاكلهم حتى النهاية.
ثانياً: الكفاءة. الشعب لا يبحث فقط عن الوجاهة الاجتماعية أو الانتماء العائلي، بل عن شخصياتٍ تملك معرفة سياسية واقتصادية وقانونية، قادرة على صياغة تشريعات واقتراح حلول واقعية للأزمات المتراكمة.
ثالثاً: النزاهة. وهي ربما الشرط الأهمّ، إذ لم يعد الناس يحتملون المزيد من الفساد أو استغلال المناصب، بل يطالبون بممثلين صادقين يحافظون على المال العام ويضعون المصلحة الوطنية فوق أيّ اعتبارٍ شخصي أو حزبي.
في المقابل، ما ينتظره المرشحون أنفسهم من الشعب لا يقل أهمية. فالنائب، لكي يتمكن من أداء دوره، يحتاج إلى ثقة الناس ودعمهم المستمر. الانتخاب ليس مجرّد ورقة تُلقى في صندوق، بل هو تفويض شعبي يتطلب متابعة ومحاسبة. من دون هذا التفاعل، قد يبقى النائب معزولاً عن قواعده الشعبية، فيفقد الدافع للعمل الجاد. كما ينتظر المرشحون من الناخبين أن يتعاملوا بوعيٍ ومسؤولية، بعيداً عن منطق العصبية أو شراء الأصوات أو البحث عن مصالح آنية، لأنّ هذه الممارسات هي التي أضعفت المؤسسات في مراحل سابقة، وسمحت بمرور شخصيات غير كفؤة إلى مواقع صنع القرار.
إنّ العلاقة بين الشعب وممثليه يجب أن تكون علاقة تكاملية تقوم على الشفافية والمحاسبة. فالمجلس ليس مجرّد قاعة للتصويت أو منصة للخطابات، بل مؤسسة دستورية معنية بالتشريع والرقابة على أداء الحكومة. وإذا نجح المرشحون في استعادة ثقة الشارع، ونجح الشارع بدوره في ممارسة دوره الرقابي بعد الانتخابات، عندها فقط يمكن القول إنّنا أمام مجلس حقيقي يعكس الإرادة الشعبية.
إنّ المرحلة المقبلة تتطلب من النواب الجدد خطاباً عقلانيًّاوواقعيًّا، بعيداً عن المبالغات، يقوم على أولويات واضحة: تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي، دعم قضايا العدالة الاجتماعية، تعزيز مؤسسات الدولة، والدفاع عن قضايا الوطن الكبرى وفي مقدمتها استكمال مسار التحرير. هذه ليست رفاهية ولا شعارات، بل مطالب أساسية لم يعد الشعب يقبل التنازل عنها.
في النهاية، يمكن القول إنّ الانتخابات فرصة متجددة، لكنّها قد تتحوّل إلى عبء إذا لم تُترجم الوعود إلى أفعال. مرشحو مجلس الشعب أمام اختبار حقيقي، إمّا أن يكونوا لسان حال الناس وحصنهم في مواجهة الأزمات، أو أن يتحولوا إلى مجرّد أسماء إضافية في سجل طويل من خيبات الأمل. والشعب، من جهته، بات أكثر وعياً ونضجاً، وهو يعرف تماماً أنّ التغيير لا يبدأ إلا من صناديق الاقتراع، لكنّه لا ينتهي عندها.