مدونات

مظاهرات جيل Z في المغرب: هل نحن أمام بداية تحوّل سياسي؟

سبتمبر 28, 2025

مظاهرات جيل Z في المغرب: هل نحن أمام بداية تحوّل سياسي؟

الكاتب: كرم الدين حسين

لم يكن يوم السبت 27 شتنبر 2025 يوماً عادياً في المغرب. فقد خرج آلاف الشباب إلى الشوارع في عددٍ من المدن، من الرباط إلى الدار البيضاء مروراً بمراكش وطنجة، في مظاهرات رفعت شعارات تمحورت حول الصحة والتعليم أساساً، فيما بات يُعرف إعلاميًّا بـ”مظاهرات جيل Z”. هذه الاحتجاجات، التي دعت إليها مجموعات شبابيّة وجمعيات غير تقليديّة، حملت طابعاً عفوياً خالصاً لا يُحسب على أيّ حزبٍ أو تيار سياسي، فبدت مفاجئة في توقيتها، مغايرة في رسائلها، ومثيرة في تداعياتها على المشهد السياسي والاجتماعي.

سياق سياسي مشحون وانتخابات وشيكة

تزامنت هذه الموجة الاحتجاجية مع بداية العدّ العكسي للانتخابات التشريعية المرتقبة في عام 2026، وهي انتخابات بدأت الأحزاب السياسية التحضير لها مبكراً، سواء عبر حملات “التسويق السياسي” المكثفة، أو عبر مشاوراتها مع وزارة الداخلية بشأن قواعد تنظيم الاستحقاق المقبل، من تحالفاتٍ مبكرة إلى التزكيات وترتيب الخرائط الانتخابية. في هذا المناخ المشحون جاءت مظاهرات الشباب لتكسر إيقاع الحسابات الحزبية: فبدلاً من أن تظل القضايا الكبرى رهينة المكاتب المغلقة والمفاوضات السرية، خرج الشارع ليذكّر الجميع بأنّ الصحة والتعليم، وهما من أبسط حقوق المواطنين وأوضح مسؤوليات الدولة، لم يعودا يحتملان المساومة أو التأجيل.

لكن الأهم أن هذه الاحتجاجات انطلقت من خارج القنوات التقليديّة للحياة السياسية. فلا أحزاب منظمة ولا نقابات مهيكلة ولا جمعيات كبرى تتصدر المشهد، بل شباب جديد تشكّل وعيه عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي أكثر ممّا تشكّل عبر مقرات الأحزاب أو قاعات الاجتماعات. وهذه السمة هي التي تربك السلطة وتضعف قدرة القوى السياسية التقليدية على استيعاب الظاهرة أو احتوائها.

بين سلمية الشارع وتشدد القبضة الأمنية

رغم الطابع السلمي الواضح للمظاهرات، فقد قابلتها السلطات بحملة اعتقالات واسعة، طالت خصوصاً الشباب في الرباط والدار البيضاء. وهنا يبرز سؤال جوهري: هل تخشى الدولة فعلاً من “حراك اجتماعي غير مؤطر” أكثر من أيّ حراكٍ تقليدي؟
من منظور نقدي، تميل السلطة إلى تفضيل التعامل مع احتجاجات لها قيادة محددة يمكن التفاوض معها أو ممارسة الضغوط عليها. أمّا المظاهرات العفوية فهي أشبه بـ”سائل زئبقي”: يصعب الإمساك به أو التنبؤ بمساره. ومع ذلك، فإن الاكتفاء بالحل الأمني يظل سلاحاً قصير المدى؛ فاعتقال العشرات لا يزيل جذور الأزمة، بل قد يعمق الإحساس بالغبن ويهيئ لموجات لاحقة من الاحتجاج أكثر حدة واتساعاً.

أزمة الأحزاب وغياب الوساطة السياسية

أظهرت مظاهرات جيل Z بجلاء العجز البنيوي للأحزاب السياسية المغربية. فبدلاً من أن تقوم بدورها الطبيعي كجسر بين الشارع والدولة، بدت عاجزة عن استيعاب مطالب الشباب أو التعبير عنها. وبينما انشغلت قيادات الأحزاب في توزيع التزكيات وحسابات المقاعد الانتخابية، عجزت عن تقديم نفسها كحاضنة لهذا الغضب الاجتماعي أو وسيط موثوق لفتح حوار حقيقي حول القضايا الملحّة.
هذا العجز ليس جديداً، إذ يلاحظ منذ سنوات تراجع ثقة الشباب في الأحزاب التقليدية وابتعادهم عن صناديق الاقتراع، لكن الجديد هو انتقال هذا العزوف من حالةٍ صامتة إلى فعلٍ احتجاجي علني في الشارع، وهو تطور نوعي قد يفتح الباب أمام أشكال أكثر تنظيماً وتأثيراً في المستقبل.

هل تتحوّل الاحتجاجات إلى حركة سياسيّة؟

تفرض المقارنة مع تجارب عربية أخرى نفسها هنا. فـ”حركة 6 أبريل” في مصر، على سبيل المثال، انطلقت بدعوات شبابيّة على مواقع التواصل الاجتماعي بعيداً عن الأطر الحزبية، ثم تحوّلت إلى فاعلٍ سياسي محوري في انتفاضة 2011. فهل يمكن أن يتكرّر السيناريو في المغرب؟
الإجابة ليست بسيطة. فالنظام السياسي المغربي يمتلك خصوصية مؤسساتية تمنحه قدرة أكبر على امتصاص الأزمات مقارنة بحالات عربية أخرى مثل مصر أو تونس. غير أنّ تجاهل مطالب الشباب، في ظل استمرار الأحزاب في حساباتها الضيقة، قد يفرز مع مرور الوقت حركة شبابية منظمة تتجاوز الأطر التقليديّة وتفرض نفسها كرقم صعب في المعادلة السياسية.

بين الإصلاح والفوضى

السؤال الأكبر اليوم: هل تقود هذه الاحتجاجات إلى إصلاحٍ سياسيّ واجتماعيّ أم إلى فوضى غير محسوبة العواقب؟
الاحتمالات تسير في مسارين متقابلين:

  • إذا التقطت الدولة الرسالة وفتحت حواراً جديًّا حول قضايا الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية، فقد تتحوّل هذه الموجة إلى قوة دفع لإصلاحاتٍ ضرورية ومجدية.

  • أما إذا أُغلقت الأبواب واستمرّ التعاطي الأمني وحده، فإنّ الاحتجاجات قد تتصلّب وتتصاعد، بما قد يفتح الباب أمام مواجهات يصعب التنبؤ بمآلاتها.

الخلاصة: جيل لا يمكن تجاهله

إنّ مظاهرات 27 شتنبر ليست مجرّد حدثٍ عابر، بل تعبير صريح عن تحوّل عميق في علاقة الشباب المغربي بالسياسة. هذا الجيل، الذي يصفه البعض بـ”جيل Z”، لا يثق في الأحزاب ولا يراهن على المؤسسات، لكنّه يمتلك الجرأة للنزول إلى الشارع والمطالبة بحقوقه الأساسية.
وعليه، فإن مستقبل المغرب السياسيّ لن يُرسم فقط في مكاتب الأحزاب أو في صالونات السلطة، بل أيضاً في الساحات التي امتلأت بشبابٍ يرفعون شعارات الصحة والتعليم والكرامة. إنّه جيل لا يمكن تهميشه أو تجاهل رسائله. والسؤال الحقيقي اليوم ليس ما إذا كان سيعود إلى الشارع، بل كيف ستتعامل الدولة والأحزاب مع هذه الرسائل قبل أن تتحوّل إلى عاصفةٍ سياسيّة قادرة على إعادة رسم المشهد برمته.

شارك

مقالات ذات صلة