فنون
هناك عدوّ يُعلن عداءه فتتهيّأ لمواجهته، ولكن ماذا لو كان العدو صديقًا يتسلّل بهدوء إلى حياتك، ثم يتحوّل إلى ظلّ يراقبك ويبتزّ نقاط ضعفك؟ في الفيلم البريطاني الرائع “Notes On A Scandal” أو “ملاحظات حول فضيحة”، نجد إجابة هذا السؤال تتجسّد بوضوحٍ من خلال شخصية “باربرا كوفيت”.
إنّها ترتدي قناع الحكمة والرزانة، لكنّها تحمل في داخلها خواءً عاطفيًّا موحشًا، يتحوّل مع الوقت إلى قوةٍ طاغية من السيطرة والتملك. “باربرا” ليست مجرّد شخصيةٍ سينمائية، بل كابوس يمكن أن نصادفه في حياتنا اليوميّة: إنسان يبدو في البداية داعمًا وحنونًا، لكنّه في العمق صيّاد يترصّد لحظة سقوطنا ليسيطر علينا إلى الأبد.
الفيلم من إنتاج عام 2006، وتدور أحداثه في مدرسة ثانوية بريطانية مع “باربرا كوفيت”، وهي معلمة عجوز صارمة تعيش في عزلةٍ عن العالم، وتُفرغ مشاعرها بالكتابة في دفتر يومياتها التي تكشف عن نظرتها الساخرة للحياة والآخرين، وحين تصل معلمة الفنون الجديدة “شيبا هارت” إلى المدرسةِ تنجذب إليها “باربرا”، وترى فيها فرصة للصداقة التي تفتقدها.
لكن سرعان ما تكتشف “باربرا” أنّ “شيبا” على علاقة غير شرعية بطالب مراهق في المدرسة، وبدلًا من فضحها مباشرة تستغل السر كسلاحٍ لإحكام قبضتها على “شيبا”، فتتبدل علاقة الصداقة إلى لعبة ابتزاز نفسي معقّدة، ومع تصاعد الأحداث تتحوّل اليوميات إلى سلاحٍ يكشف هشاشة الشخصيتين، وينقلب الأمر إلى فضيحة كبرى تهدّد حياة “شيبا” العائلية والمهنية.
الفيلم من إخراج “ريتشارد إير”، وقد قام “باتريك ماربر” بكتابة النص السينمائيّ باقتباسه من رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة “زوي هيلر”، التي أصدرتها في عام 2003، وقد استلهمتها جزئيًّا من قضايا حقيقية حول فضائح مدرسية في بريطانيا، خاصةً العلاقات السريّة بين بعض المعلمات وطلابهن، لكن الرواية لا تستند إلى حادثةٍ واحدة معيّنة، بل تعكس الاهتمام الإعلامي والثقافي المتزايد في تلك الفترة بقصص العلاقات السرية مثل قضية المعلمة الأمريكية “ماري كاي ليتورنيو”، التي أُدينت بعلاقة مع أحد طلّابها في التسعينيات.
لقد قدّمت “جودي دنش” أفضل أداء في مسيرتها السينمائية من خلال شخصية “باربرا كوفيت”، كشخصية يصعب نسيانها، بعينيها الباردتين وحنانها الزائف وتهديداتها المبطّنة. إنها امرأة تعيش على الهامش، وتتغذى على فتات العلاقات، وتكتب كلّ شيء في دفتر يومياتها بنبرة من التفوق الأخلاقي والغيرة والحقد.
أما “كيت بلانشيت” فقد أبدعت أيضًا في تجسيد شخصية “شيبا هارت” كامرأة عالقة بين شعورها بأنّها لا تزال مرغوبة، وبين مسؤولياتها كزوجة وأم، وكيف قادتها سذاجتها الممزوجة بالأنانية إلى قرارات مدمّرة. بقية الممثلين قدّموا أداءً متميّزًا، بمن فيهم: “بيل ناي” بشخصية “ريتشارد هارت”، و”أندرو سيمبسون” بشخصية “ستيفن كونولي”، و”جونو تيمبل” بشخصية “بولي هارت”.
بلغت ميزانية إنتاج الفيلم 15 مليون دولار، وقد حقّق نجاحًا لافتًا بإيراداتٍ تجاوزت 50 مليون دولار في شبّاك التذاكر في بريطانيا وأمريكا وبقية دول العالم، وترشّح لـ 4 جوائز أوسكار، لأفضل نصّ سينمائيّ مقتبس، وأفضل ممثلة “جودي دنش”، وأفضل ممثلة مساعدة “كيت بلانشيت”، وأفضل موسيقى تصويرية لـ “فيليب غلاس”، التي أضافت إلى أجواء الفيلم طبقة من الاضطراب والارتباك.
إنّه ليس فيلمًا عن فضيحة مدرسية عابرة، بل تحذيرٌ صريح عن أولئك الذين يعرفون كيف يتسلّلون إلى قلوبنا كما فعلت “باربرا”، وأخطر ما قد نواجهه ليس خيانةَ أو فضيحة، بل صداقة زائفة تخنقنا ببطء، ويبقى السؤال: كم “باربرا” مرّت في حياتك ولم تدرك خطرها إلا بعد فوات الأوان؟


