مجتمع

تكامل لا منافسة: مشاركة المرأة مفتاح سوريا الجديدة

سبتمبر 27, 2025

تكامل لا منافسة: مشاركة المرأة مفتاح سوريا الجديدة

في خضم السعي نحو بناء مجتمع جديد في سوريا، تبرز مواقف إنسانيّة ومدنيّة تحمل دلالات كبيرة على وعي الأفراد وإيمانهم العميق بالشراكة الحقيقية بين الرجل والمرأة. أحد أبرز هذه المواقف ما قام به الشاب معتز خطاب حين أعلن انسحابه من الهيئة الناخبة لأعضاء مجلس الشعب عن مدينة حلب، مفسحاً المجال أمام زوجته لتخوض هذه التجربة، إدراكاً منه أنّ الفرصة تستحق أن تُمنح لها، وتقديراً لإمكاناتها وقدراتها.

هذا الموقف يعكس تحولاً مهماً في التفكير الاجتماعي؛ فالرجل الذي يفتح المجال أمام زوجته أو شريكته لا يخسر مكانته، ولا ينتقص من رجولته، بل على العكس تماماً: يثبت أنّه رجلٌ ناضج، واثق من نفسه، يؤمن أنّ نجاح المرأة هو نجاح مشترك، وأنّ المستقبل لا يُبنى إلا بجهود متكاملة.

المرأة في الشأن العام: من الظل إلى الصدارة

تاريخيًّا، لطالما حاولت المجتمعات التقليدية حصر المرأة في أدوار محددة، محصورة في بيتها أو محيطها الضيق. لكن التحولات الكبرى التي شهدها العالم، ومعها التجارب الخاصة للشعوب، أثبتت أنّ المرأة لا تقلّ كفاءة أو قدرة عن الرجل في ميادين العمل العام بل يضيف حضورها قيمة جديدة، لأنّها تجلب رؤى مختلفة وأسلوباً قياديًّا أكثر إنسانيّة ومرونة، وهو ما تحتاجه المجتمعات التي تمر بأزماتٍ عميقة مثل سوريا.

مشاركة المرأة في الشأن العام يعني إدخال صوت نصف المجتمع في دائرة صنع القرار، وضمان أن تكون السياسات أكثر شمولاً وعدلاً، خاصة تجاه الفئات المهمشة، وتكريس قيم التعاون والشراكة بدلاً من الإقصاء والتنافس السلبي.

المرأة والثورة السوريّة: حضور استثنائيّ

في الثورة السورية على وجه الخصوص، كان للمرأة دور لا يمكن إنكاره. لم تكتفِ النساء بمساندة الرجال من بعيد، بل كنّ في قلب الحدث ففي المظاهرات والحراك السلمي، شاركت النساء في التظاهرات الأولى، وهتفن للحريّة بجرأة، وكنّ في الصفوف الأماميّة أحياناً.

وفي المجال الإغاثي والإنساني حين اشتدت الحرب وانهارت البنية الاجتماعية، أسّست النساء جمعياتٍ محليّة ساعدت آلاف العائلات النازحة، وقدّمن الطعام والدواء والملبس. كثير منهن خاطرن بحياتهن للوصول إلى المحتاجين.

 أما في الإعلام وتوثيق الأحداث فقد لعبت الصحفيات والناشطات دوراً محوريًّا في نقل الحقيقة للعالم وكانت كاميراتهن وأقلامهن سلاحاً في مواجهة آلة القمع والتضليل.

 وفي السياسة والعمل المدني ظهرت أسماء نسائية في الهيئات السياسية المعارضة، وفي المجالس المحلية داخل سوريا وخارجها. كثيرات منهن قدّمن خطاباً أكثر توازناً، وحاولن تمثيل معاناة السوريين بمصداقية ومسؤولية.

في التربية والتعليم تحمّلت النساء في ظل غياب مؤسسات الدولة عبء تعليم الأطفال، وحافظن على استمرار العملية التعليمية في ظروف بالغة الصعوبة، إدراكاً منهن أنّ المستقبل يصنعه جيل واعٍ ومتعلم.

رجال دعموا شريكاتهم: قوة لا ضعف

لم يكن حضور المرأة في الثورة السوريّة ممكناً لولا رجال آمنوا بأهميتها وفتحوا لها المجال. فكم من أب سمح لابنته بالمشاركة رغم المخاطر، وكم من أخ وقف إلى جانب أخته لتكمل عملها الإعلاميّ أو الإغاثيّ، وكم من زوج شجّع زوجته لتكون في مقدمة العمل المدنيّ والسياسيّ.

ما فعله معتز خطاب ليس استثناءً، بل هو امتداد لخطٍ طويل من الرجال الذين أدركوا أنّ دعم المرأة يزيدهم رفعةً لا انتقاصاً. هؤلاء الرجال فهموا أنّ الوطن أكبر من الأنا الفردية، وأنّ المرحلة لا تحتمل صراعاً على الأدوار بل تحتاج إلى تكامل.

الرؤية الحقوقية: مشاركة المرأة حق لا منة

من منظورٍ حقوقيّ، لا يمكن الحديث عن مشاركة المرأة في الشأن العام كمنّة أو كخيارٍ ثانوي، بل كحقٍّ أصيل مكفول لها بالمواثيق الدوليّة والدساتير الحديثة. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، ينصّان على أنّ المشاركة في الحياة العامة حقّ لجميع المواطنين دون تمييز بسبب الجنس أو غيره.

في الحالة السوريّة، حيث عانت المرأة بشكل مضاعف من الانتهاكات إذ تعرضت للاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، ودفعت ثمناً باهظاً بفقدان الأبناء والزوج والإخوة، وتحمّلت أعباء إعالة الأسر وحدها في ظل غياب الرجل بسبب الاعتقال أو الاستشهاد أو التهجير.

فإنّ الاعتراف بدورها وإشراكها في صناعة القرار ليس فقط استحقاقاً سياسيًّا، بل هو أيضاً جبر للضرر واعتراف بمعاناتها، ومن الناحية الحقوقيّة، لا يجوز لأيّ مرحلةٍ انتقالية أن تُبنى على إقصاء المرأة أو تهميشها، لأنّ ذلك سيعيد إنتاج الظلم بأشكال أخرى. العدالة الانتقالية في سوريا يجب أن تشمل تمكين النساء، وحمايتهن من كلِّ أشكال التمييز، وضمان وجودهن في مواقع صنع القرار على قدم المساواة مع الرجال.

إنّ الرؤية الحقوقيّة هنا تلتقي مع البعد الإنساني والسياسيّ: فتمكين المرأة ليس رفاهية، بل شرط لتحقيق العدالة وبناء مجتمع قائم على المواطنة الكاملة، حيث يكون لكلِّ فرد، رجلاً كان أو امرأة، الحقّ والقدرة في المشاركة في إعادة بناء الوطن.

المرأة والمرحلة الانتقالية في سوريا

سوريا اليوم تمرّ بمرحلة انتقالية دقيقة وحساسة، مرحلة تعيد تشكيل المجتمع والدولة. في هذه اللحظة التاريخية، لا يمكن الاستغناء عن أي طاقة أو عقل. فإقصاء المرأة سيكون بمثابة خسارة لنصف الإمكانات التي يمتلكها الوطن.

إن مشاركة المرأة في المرحلة الانتقاليّة واجب وضرورة فهي الأكثر دراية بآلام المجتمع، لأنها عاشت فقدان الأبناء والزوج والإخوة، وهي الأقدر على بناء جسور الثقة، لأن حضورها يرمز للعدالة والشموليّة وهي القادرة على أن تكون صوتاً للسلام والمصالحة، بعد سنوات من الدماء والانقسام، ولذلك فإنّ فتح الباب أمام المرأة اليوم ليس خياراً سياسيًّا فحسب، بل هو استحقاق وطني وأخلاقي.

ختاماً:

إنّ موقف معتز خطاب يجب أن يُقرأ كدرسٍ اجتماعيّ وسياسيّ: أنّ الرجل الذي يمنح زوجته الفرصة لا يخسر شيئاً، بل يكسب احتراماً أكبر لنضجه ووعيه. والمرأة التي تُمنح هذه الفرصة لا تعمل لنفسها فقط، بل لمجتمعها ووطنها.

المجتمع السوري بحاجة إلى نموذجٍ جديد من العلاقات بين الرجل والمرأة، يقوم على الشراكة لا على التنافس، على التكامل لا على الإقصاء. فالوطن لا يُبنى بيدٍ واحدة، بل بيدين متساويتين.

ولذلك، فإنّ الطريق إلى سوريا الجديدة يمر عبر الاعتراف بدور المرأة وإشراكها في كلِّ المراحل، من الثورة إلى إعادة الإعمار، ومن السياسة إلى المجتمع. ومواقف مثل موقف معتز خطاب تبشّر بأنّ هذا الوعي بدأ يجد مكانه في قلوب وعقول السوريين، وأنّ المستقبل قد يكون أكثر إشراقاً حين يسير الرجل والمرأة جنباً إلى جنب، لا متنافسين بل متعاونين.

شارك

مقالات ذات صلة