سياسة
تقرير دوري: 8 أيلول/ سبتمبر 2025
الوضع السياسي: ملاحقة رموز النظام السابق وتعزيز الحضور الدولي
· تمثل مذكرات التوقيف الفرنسية الصادرة بحق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وعدد من كبار مسؤولي نظامه، بمن فيهم شقيقه ماهر الأسد، منعطفاً مهماً في مسار العدالة الانتقالية بسوريا والعقاب الدولي على جرائم الحرب. هذه المذكرات هي الأولى التي تستهدف الأسد مباشرة بعد سقوط نظامه، ما يضع “رأس النظام السابق في خانة المجرمين المطلوبين دولياً” ورغم التحديات العملية في تنفيذ المذكرات، إلا أن قيمتها الرمزية والقانونية ترسل رسالة تطمين للضحايا بأن معاناتهم مُعترف بها عالمياً، وتؤكد أن زعماء الأنظمة القمعية لن يكونوا بمنأى عن المساءلة حتى بعد عقود من حكمهم.
· في إطار تحركات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتعزيز العلاقات مع دمشق بعد الإطاحة بنظام الأسد أواخر 2024. منحت الولايات المتحدة إعفاءً خاصاً للوفد السوري المشارك في اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك من قيود السفر المفروضة على سوريا، حيث من المتوقع أن يلقي الرئيس السوري أحمد الشرع كلمة أمام المجتمع الدولي في أول ظهور لرئيس سوري بالأمم المتحدة منذ 6 عقود. ويواكب هذه التطورات ضغوط سياسية أمريكية لرفع العقوبات عن سوريا، حيث طالب السيناتور الجمهوري جو ويلسون بإلغاء عقوبات “قانون قيصر”. من جانبه نظّم المجلس السوري الأميركي يوماً طارئاً للضغط داخل مبنى الكابيتول في واشنطن، بهدف حث المشرِّعين الأمريكيين على إلغاء “قانون قيصر”، وتقديم مساعدات مباشرة لدعم الاستقرار. وقد أسفر التحرك عن نتائج ملموسة، بما في ذلك انضمام أعضاء جدد إلى مشروع إلغاء “قانون قيصر”، وزيادة الدعم للقضية السورية في أروقة الكونغرس، وذلك بالتزامن مع عودة وفد الكونغرس من زيارة إلى دمشق ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، ومع الاستعدادات للمشاركة السورية المرتقبة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
· يُشكل تقرير منظمة العفو الدولية -الذي يتهم القوات الحكومية السورية بتنفيذ إعدامات خارج نطاق القضاء بحق عشرات المدنيين من الطائفة الدرزية في محافظة السويداء- تحدياً للرواية الرسمية للسلطات السورية، قد يمهد الطريق لحملة ضغط دبلوماسية ودولية على دمشق، خاصة في المحافل الدولية المعنية بحقوق الإنسان. بدورها ردت الحكومة السورية عبر وزارة الداخلية على التقرير بالدعوة لتقديم أي أدلة موثقة إلى اللجنة الوطنية المكلفة بالتحقيق في أحداث السويداء. من جهته، وصف المتحدث الرسمي للجنة التحقيق الوطنية التقرير بأنه “مجتزأ” و”يظهر الانتهاكات من طرف واحد فقط”، في إشارة إلى عدم شموليته وتجاهله لأطراف أخرى متورطة في الأحداث.
الوضع المحلي: إعادة الإعمار والاستعداد للانتخابات التشريعية
· يمثل إطلاق صندوق التنمية السوري خطوة استراتيجية لإعادة الإعمار بعد سنوات من الحرب، وتبرز فوائد هذا الصندوق في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تحفيز النمو وخلق فرص عمل في قطاعات البنية التحتية والخدمات الأساسية، كما يساهم في تحسين جودة الحياة عبر إعادة تأهيل المرافق الحيوية مثل الكهرباء والمياه والطرق. بالإضافة إلى ذلك، يهدف الصندوق إلى جذب الاستثمارات المحلية والدولية ودعم القطاع الخاص عبر آليات تمويل مبتكرة، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويُسهِّل عودة النازحين.
من الناحية الرمزية، يُظهر إنشاء الصندوق إرادة سياسية لمعالجة آثار الأزمة، حيث تم إطلاقه بمرسوم رئاسي بما يوليه شرعية قانونية، مع التركيز على الشفافية والمحاسبة في إدارة الموارد. كما يعكس تزامن الإطلاق مع تبرعات وتعهدات كبيرة -65 مليون دولار خلال يومين- ثقة الجهات الداعمة بالمشروع ويُبرز رؤية شاملة تشارك فيها الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ومع ذلك، فإن نجاحه يتوقف على تجاوز تحديات مثل نقص التمويل طويل الأمد ومتطلبات الشفافية والاستقرار الأمني، عبر آليات رقابية مستقلة وشراكات دولية واستثمار في القطاعات الإنتاجية لتحقيق تنمية مستدامة.
· تسارع الحكومة السورية الخطى لاستكمال الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، في خطوة تهدف إلى إضفاء الشرعية على المرحلة الانتقالية قبل مشاركة الرئيس أحمد الشرع في قمة الأمم المتحدة في 22 سبتمبر/ أيلول. وقد شهدت الاستعدادات توقيع اللجنة العليا للانتخابات مذكرة تفاهم مع 5 منظمات مجتمع مدني لضمان نزاهة العملية الانتخابية، تشمل برامج تدريبية وتوعوية للناخبين وأعضاء اللجان. غير أن العملية ما زالت تواجه تحديات جسيمة، حيث أُجّلَت الانتخابات في 3 محافظات (السويداء والرقة والحسكة) بسبب تعثر المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية والمطالب الانفصالية في السويداء. كما أثير جدل حول توزيع المقاعد الانتخابية المعتمد على إحصاءات 2011، مع تخصيص ثلث المقاعد للتعيين الرئاسي.
الوضع الأمني والعسكري: تحديات محلية وخارجية
في إطار سلسلة من العمليات الأمنية المكثفة التي تنفَّذها قيادة الأمن الداخلي أعلنت قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية عن إلقاء القبض على عدد من عناصر النظام السابق المتورطين في جرائم حرب خلال الثورة السورية بعد بلاغات من مواطنين سوريين. هذه العملية تأتي بعد عمليات أخرى مشابهة خلال الفترات السابقة لتشكل هذه الاعتقالات جزءاً من الجهود المستمرة لملاحقة مجرمي النظام السابق والمجموعات الخارجة عن القانون، وتواصل الجهات الأمنية تحقيق نجاحات لافتة في هذا الجانب مع تعزيز تعاونها مع المواطنين للإبلاغ عن المطلوبين ما يعكس ارتفاع الثقة بين المجتمع المحلي والأجهزة الأمنية لا سيما في المناطق الساحلية.
تستمر التوغلات الإسرائيلية في جنوب سوريا، والتي أسفر آخرها عن اعتقال 7 شبان من بلدة جباتا الخشب في محافظة القنيطرة، وذلك بعد أسبوع من عملية اعتقالات مماثلة في بلدة سويسة بريف القنيطرة الجنوبي.
تظهر هذه التوغلات نمطاً مستمراً من التعديات الإسرائيلية في جنوب سوريا منذ سقوط نظام الأسد أواخر 2024. وكشفت العمليات الأخيرة عن تصاعد في مداهمات منازل والاعتقالات والتعزيزات العسكرية، مما يخلق حالة من الخوف والاضطراب بين المدنيين السوريين.
ورغم الدعاوى عن مفاوضات متقدمة بين دمشق وتل أبيب، يكشف المشهد الميداني عن تناقض صارخ مع هذا المسار الدبلوماسي. فبدلاً من أي اتجاه نحو تخفيف التصعيد، شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً غير مسبوق في العدوان الإسرائيلي، ما يطرح أسئلة مصيرية حول مدى مصداقية المسار التفاوضي، وفعالية الضغوط الدبلوماسية في كبح جماح الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تُواصل انتهاك السيادة السورية تحت حجج واهية. بالمجمل تُظهر هذه الإجراءات استراتيجية إسرائيلية واضحة لاستغلال الظرف السياسي الحالي في سوريا لتعزيز الوجود العسكري الميداني، ويبقى السؤال الأبرز: هل المفاوضات مجرد غطاء دبلوماسي لاستمرار العدوان، أم أن هناك إرادة حقيقية لتحقيق السلام في المنطقة؟
تواصل الحكومة السورية تنفيذ سلسلة إجراءات ميدانية وسياسية بهدف احتواء الأزمة في محافظة السويداء وإعادة الاستقرار إليها. وشملت هذه الإجراءات إعادة افتتاح الطريق الدولي بين دمشق والسويداء لضمان تدفق الحركة التجارية وانتقال المدنيين، وتعيين العميد حسام الطحان قائداً جديداً لقوى الأمن الداخلي في المحافظة في إطار إعادة ترتيب الأوضاع الأمنية. كما باشرت لجنة تحقيق حكومية عملها في أحداث العنف التي شهدتها المحافظة، حيث تقابل الشهود وتجمع الروايات من مختلف الأطراف لتحديد المسؤولين عن الانتهاكات. إلى ذلك، تواصل الحكومة توفير المساعدات الإنسانية وتعمل على تعزيز الحلول السياسية من خلال التفاوض. لكن ومع هذه الجهود، ما تزال دعوات الانفصال وتقرير المصير تتردد بين بعض أهالي المحافظة، ما يعكس عمق التحديات أمام الإجراءات الحكومية المبذولة.
من جانبه، كرر الزعيم الديني الدرزي حكمت الهجري خطاباً سياسياً مثيراً للجدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يمزج بين المطالب الانفصالية والشكر للقوى الدولية والإقليمية. صاغ الهجري مطالبته الانفصالية هذه المرة بلغة القانون الدولي، معتمداً على مفهوم “حق تقرير المصير” كمبدأ مقدس وفقاً للمواثيق الدولية وذلك بهدف إضفاء شرعية على المطلب الانفصالي وتحويله من مجرد فكرة طائفية إلى قضية حقوقية يمكن طرحها في المحافل الدولية.
وعلى عكس حالة الهجري رفض موفق طريف، الرئيس الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل بشكل قاطع أي دعوات انفصالية، مؤكداً أن حقوق الطوائف وخصوصياتها يجب أن تُحفظ في إطار الدولة السورية الموحدة. وأوضح أن الأزمة الحالية خلقت شرخاً عميقاً في الثقة بين المكونات، ما يتطلب إعادة بناء هذه الثقة عبر ضمانات عملية كمدخل أساسي لأي حل سياسي لاحق. هذا الموقف يُعتبر توازنياً بين الاعتراف بخصوصية كل طائفة ورفض التقسيم، ما يعكس رؤية ترى في الوحدة الوطنية الإطار الأمثل لحماية الحقوق والحفاظ على استقرار سوريا في مرحلة إعادة البناء.
تصاعدت التصريحات التركية ضد قوات “سوريا الديمقراطية” (قسد)، حيث اتهمت وزارة الدفاع التركية هذه القوات بعدم الوفاء بتعهداتها بنزع السلاح والاندماج مع الدولة السورية، معتبرة أن ممارساتها تشكل “تهديداً لوحدة سوريا وسلامتها الإقليمية”. ورأى بعض المراقبين في هذه التصريحات إنذاراً عسكرياً لـ “قسد”، وتؤكد استعداد أنقرة للتعاون ميدانياً مع دمشق لكبح جماح “قسد”.
من ناحية أخرى، شكل الاجتماع بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقائد القيادة المركزية الأمريكية الأميرال براد كوبر مؤشراً على “الالتزام الأمريكي بمواصلة دعم قسد ضد الإرهاب” وينم عن رغبة واشنطن في الحفاظ على نفوذها في المنطقة، كما تعكس التسريبات الإعلامية عن تخفيف الضغوط الأمريكية تجاه مطالب “قسد” بوادر تغيير في النهج الأمريكي تجاه قسد، لكن هذا التغير ما يزال محدوداً، إذ تواصل وزارة الخارجية الأمريكية مطالبة قسد بتقديم تنازلات جوهرية تشمل التخلي عن السيطرة على المناطق ذات الأغلبية العربية والتخلي عن احتكار إنتاج النفط في شمال شرق سوريا. كما يبقى التهديد التركي بالتدخل العسكري المشترك مع دمشق عاملاً يحد من خيارات قسد، ويؤكد على أن الأطراف الإقليمية ما زالت حاضرة.
وبينما تشير التقارير إلى استعداد وفد تفاوضي من قسد للعودة إلى دمشق، فإن غياب الموعد الرسمي للقاءات الجديدة يؤشر إلى استمرار التعقيدات التي تعيق الوصول إلى تسوية شاملة في المدى المنظور.
على الصعيد العسكري، تشهد العلاقات بين الطرفين توتراً ملحوظاً، حيث تشهد محاور التماس في حلب والرقة اشتباكات محدودة وكشفت قوات الأمن السورية إحباط محاولة تهريب أسلحة إلى مناطق سيطرة قسد. هذه التطورات تعكس الفجوة بين المسار التفاوضي والواقع الميداني، وتُظهر أن جميع الأطراف تتبنى استراتيجية مزدوجة تجمع بين التفاوض والاستعداد للمواجهة، ما يقلل من فرص تحقيق تقدم ملموس نحو تسوية سياسية شاملة في المدى المنظور.
الوضع الاقتصادي: انفراجة تدريجية بعد رفع العقوبات
أعلنت سوريا عن تحقيق تطور اقتصادي مهم يتمثل في تصدير أول شحنة نفط خام ثقيل منذ 14 عاماً، حيث غادرت ناقلة محملة بـ600 ألف برميل من ميناء طرطوس في إطار جهود الحكومة السورية الجديدة لإعادة تأهيل القطاع النفطي واستعادة حضور البلاد في الأسواق العالمية.
هذه الخطوة التاريخية جاءت بعد رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بموجب الأمر التنفيذي للرئيس ترامب في يونيو/حزيران الماضي، ما فتح الباب أمام عودة الشركات الدولية للاستثمار في القطاع النفطي السوري. بالتوازي مع ذلك، مثَّل وصول الباخرة “إم جي صوفيا” إلى مرفأ طرطوس محملة بـ19 ألف طن من الشعير الروماني حدثاً بالغ الأهمية، حيث تمت هذه العملية مباشرة عبر شركة أمريكية دون المرور بموانئ وسيطة. وتشير هذه التطورات إلى بداية انفراجة في القطاع التجاري السوري، حيث سيساهم الاستيراد المباشر في خفض تكاليف النقل مما سيخفف من الضغوط المعيشية على المواطنين. كما يعكس هذا التطور تغيراً عملياً في الموقف الدولي تجاه سوريا، بعد قرار وزارة الخزانة الأمريكية رفع العقوبات، مما يشجع شركات دولية على إعادة النظر في السوق السورية ويفتح آفاقاً لاستثمارات في قطاعات أخرى.