سياسة
أدانت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، في بيان رسمي صدر 9 أيلول/ سبتمبر 2025، العدوان الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة، معتبرة أن هذا الاعتداء يمثل “انتهاكاً سافراً للقانون الدولي ولسيادة دولة قطر الشقيقة وتصعيداً خطيراً من شأنه أن يُقوّض الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وأضاف البيان: “تؤكد الجمهورية العربية السورية تضامنها الكامل مع دولة قطر قيادة وحكومة وشعباً، فإنها تشدد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفاً واضحاً وصارماً تجاه مثل هذه الممارسات العدوانية التي تهدد السلم الإقليمي والدولي”.
هذا الموقف الرسمي السوري تلاقى مع أصوات شعبية واسعة داخل البلاد، حيث اعتبر مواطنون سوريون أن الاستهداف الإسرائيلي لقطر يشكل اعتداء مباشراً على دولة وقفت إلى جانب الشعب السوري منذ بدايات الثورة وحتى ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
أصوات الشارع السوري
عبّر مواطنون سوريون عن صدمتهم وغضبهم من العدوان الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية الدوحة، مؤكدين أن ما جرى لا يمكن اعتباره مجرد عملية عسكرية ضد حركة حماس، بل اعتداء مباشر على دولة وقفت إلى جانب الشعب السوري لسنوات طويلة.
مصطفى معترماوي، من ريف إدلب، قال لـ “سطور”، إن السوريين تلقوا خبر الاستهداف الإسرائيلي لقطر بصدمة وحزن عميق، معتبراً أن الدوحة “قريبة من قلوب السوريين” وأن الاعتداء عليها هو اعتداء على كل مناصري قضايا الشعوب المظلومة. وأضاف أن قطر دعمت السوريين سياسياً وإنسانياً وإعلامياً، ما يجعل استهدافها رسالة واضحة ضد موقفها السياسي الثابت، مشدداً على أن التضامن السوري الشعبي والرسمي مع قطر واجب أخلاقي وسياسي. وبرأيه فإن ما جرى لن يغير من موقف الدوحة، بل سيزيدها إصراراً على دعم الشعوب المظلومة، وعلى رأسها الشعب السوري.
أما سمر الحلواني، شابة من دمشق، فقد وصفت لـ “سطور” القصف الإسرائيلي بأنه “مؤلم للغاية” لأنه استهدف بلد أدى دوراً مركزياً خلال الثورة السورية. وترى أن إسرائيل تعمدت توجيه رسالة مباشرة لقطر أكثر من استهدافها لحماس، معتبرة أن الهجوم يطال الموقف السياسي القطري في الأساس. وأكدت أن السوريين، شعباً وحكومة، مطالبون بالوقوف إلى جانب قطر لأنها لم تتخل عنهم يوماً، مضيفة أن التجربة أثبتت أن الدوحة لا تنكسر بسهولة، وربما يدفعها هذا الاعتداء إلى تعزيز دعمها لقضايا العرب.
من جهته، أبدى علاء حريتاني، من مدينة حلب، غضباً شديداً إزاء ما جرى، وقال لـ “سطور”: “إسرائيل لم تكتفِ بفلسطين وسوريا ولبنان، بل وصلت إلى قطر”. وأوضح أن هذا القصف ليس مجرد استهداف لحماس، بل رسالة سياسية موجهة بشكل مباشر إلى قطر التي كانت حاضرة منذ بداية الثورة السورية، عبر دعمها التعليم والإغاثة والإعلام. واعتبر أن التضامن السوري مع قطر ضرورة ملحة، لأن أي اعتداء عليها يعد اعتداءً على السوريين أنفسهم. وختم بالتأكيد على أن قطر ستواصل دعمها للشعب السوري والقضايا العربية رغم محاولات ثنيها عن هذا الدور.
تحليلات الخبراء
يرى محللون سياسيون وعسكريون سوريون أن العدوان الإسرائيلي على قطر يتجاوز البعد العسكري، ويعكس تحولات استراتيجية إقليمية خطيرة.
الأكاديمي والباحث السياسي عبد الرحمن الحاج، مدير مركز أبحاث السياسات العامة، قال في حديثه لـ “سطور”، إن ما حدث يجب فهمه كرسالة إسرائيلية تهدف إلى إنهاء ملف التفاوض مع حماس وإجبارها على خيارات فرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأوضح أن إسرائيل تسعى لفرض قواعد اشتباك جديدة كجزء من رؤيتها الاستراتيجية للأمن بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، مستغلة فائض قوتها والدعم الأمريكي الكامل.
وأشار الحاج إلى أن كل تصرف إسرائيلي يتم بموافقة أمريكية، ما يعني وجود استراتيجية أمريكية جديدة تمنح إسرائيل دوراً أوسع في الأمن الإقليمي، وقد يؤدي ذلك إلى تغييرات في خرائط المنطقة لا تقتصر على سوريا وحدها. وحذّر الحاج من أن استباحة إسرائيل للأجواء القطرية تعني أنها قادرة على استباحة أجواء أي دولة عربية أخرى، عدا تركيا ربما، مؤكداً أن الهجوم سيؤثر على وجود القيادة الفلسطينية في قطر، لكنه لن يغير من علاقة حماس بالدوحة، في حين يبقى الملف السوري منفصلاً عن هذه المعادلة.
من جانبه، أكد الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان لـ “سطور”، أن الاعتداء الإسرائيلي على قطر يهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها، مشيراً إلى أن الدوحة كانت دائماً حاضرة في مبادرات الوساطة، والسعي لحلول سلمية، ومد يد العون في مختلف الأزمات الإنسانية والسياسية. وأضاف أن هذا الاستهداف جاء في وقت ترعى فيه قطر وساطة لوقف إطلاق النار، ما يجعله رسالة واضحة من حكومة نتنياهو بأنها ماضية في التصعيد وإفشال جهود الاستقرار التي تبذلها الدوحة. وشدد علوان على أن إسرائيل تحاول توسيع دائرة الأزمات لتشمل دولاً مستقرة، عبر الاعتداء على سيادة الدول التي ترعى مبادرات وقف إطلاق النار وحفظ السلم الأهلي، في مقدمتها قطر.
أما الخبير العسكري ضياء القدور، فقد رأى أن الهجوم الإسرائيلي يعكس انهيار المسار الدبلوماسي، موضحاً لـ “سطور”، أن المفاوضات بين إسرائيل وحماس بوساطة قطرية وأمريكية مرت بمراحل توتر، تخللتها تهديدات أمريكية ودعوات من الدوحة لحماس بقبول “صفقة ترامب”. وأكد أن استهداف حماس داخل الأراضي القطرية يشكل تحولاً كبيراً في قواعد الاشتباك، إذ أنهى عملياً الحصانة التي كانت تتمتع بها الحركة هناك. وتوقع القدور أن يشهد المستقبل القريب مزيداً من الاعتداءات واختراقاً لسيادة دول عربية أخرى، خاصة في ظل غياب ردود فعل أمريكية غاضبة على ما وصفه بـ”البلطجة الإسرائيلية” المدعومة أمريكياً.
وأضاف أن استهداف الوسيط القطري بحد ذاته “يفقد كل الجهود السابقة لإيجاد حل للحرب في غزة”، مشيراً إلى أن الاعتداء لم يقابل بالصمت بل أثار تفاعلاً إقليمياً ودولياً داعماً للدوحة. واعتبر أن ما جرى يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي العربي ويستوجب إجراءات موحدة وفعالة لمواجهته. وخلص إلى أن قطر، رغم كونها دولة إقليمية فاعلة، تواجه تحديات لقدراتها الوطنية المحدودة، وكان على حماس أن تدرك هذا الواقع، وإلا فإن نتائج مثل هذا الاعتداء كانت متوقعة.
من خلال متابعة مواقف الشارع السوري وتحليلات الخبراء، يتضح أن التضامن الشعبي والرسمي مع دولة قطر ليس مجرد موقف عابر، بل هو تعبير عن وفاء لشريك استراتيجي وقف إلى جانب السوريين في محنتهم. فالسوريون ينظرون إلى قطر باعتبارها دولة دعمتهم إنسانياً وسياسياً، واليوم يرون أن التضامن معها واجب أخلاقي وسياسي في آن واحد.
إن ما جرى في الدوحة يفتح الباب واسعاً أمام إعادة رسم التحالفات الإقليمية، لكنه في الوقت ذاته يرسخ فكرة أن الشعوب تتجاوز حسابات الأنظمة، وأن المواقف التي تبنى على نصرة المظلومين لا تُمحى بسهولة من ذاكرة الشعوب. بالنسبة للسوريين، سيبقى التضامن مع قطر رداً للجميل ورسالة بأن الدم العربي واحد، والاعتداء على أي عاصمة عربية هو اعتداء على الجميع.
أدت دولة قطر خلال العقدين الماضيين دوراً محورياً في الوساطات الإقليمية، سواء على مستوى القضية الفلسطينية وعلاقاتها المعقدة مع الاحتلال الإسرائيلي أو في ملفات عربية أخرى. ففي القضية الفلسطينية، احتضنت الدوحة قيادات من حركة حماس، وسعت باستمرار لفتح قنوات تفاوض مع إسرائيل عبر وساطات متكررة لوقف إطلاق النار في غزة، كما كان لها دور بارز في إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر. وعلى الصعيد العربي، تدخلت قطر في أزمات عديدة مثل النزاع السوداني، والأزمة اللبنانية في 2008، وساهمت في جهود تهدئة التوترات في ليبيا واليمن. هذا الدور جعلها تُعرف بـ”الوسيط النزيه” القادر على التواصل مع أطراف متناقضة في صراعات معقدة، ما عزز حضورها السياسي كدولة صغيرة بحجمها الجغرافي، كبيرة بتأثيرها الدبلوماسي.