سياسة

تأسيس تحالف سفّاحي الموت والنهب والاغتصاب!

سبتمبر 4, 2025

تأسيس تحالف سفّاحي الموت والنهب والاغتصاب!

ظهر قائد الميليشيا محمد حمدان (حميدتي) شاحب الوجه، ناقص الوزن، لأداء اليمين رئيسًا للمجلس الرئاسيّ لما تسمّى حكومة تأسيس في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور يوم 30 أغسطس 2025. في مسرحيّة هزيلة سيئة الإخراج للحكومة “الإسفيرية”، مسلوبة الإرادة ومرتهنة للخارج، حُبلى بالمجرمين والخونة الملطّخة أيديهم بدماء السودانيين.

 

أسرعت دولة العدوان الإمارات العربية المتّحدة، عقب لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السودانيّ الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكيّ، مسعد بولس، يوم الإثنين 11 أغسطس 2025، لإحداث فرقعة سياسيّة إعلاميّة عبر إعلان حكومة القتلة، لأجل إظهار الميليشيا وظهيرها السياسيّ في موضع قوة في أيّ مفاوضاتٍ وتسوية سياسيّة قادمة، عقب تقهقرها ميدانيًّا بعد أن هزمها الجيش السودانيّ وطردها شرّ طردة من ولايات سنار والجزيرة والخرطوم والنيل الأبيض، تجرجر أذيال الهزيمة مطاردة في سهول كردفان.

 

الحكومة الإسفيرية وجدت إدانات واسعة من مجلس الأمن الدوليّ والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقيّ وجامعة الدول العربيّة والولايات المتحدة وبريطانيا ومصر وقطر والسعودية وتركيا وباكستان وإريتريا والصومال ومعظم الدول الإفريقيّة، ورفضوا أيّ تهديدٍ لوحدة السودان وسلامة أراضيه، كونها باطلة دستوريًّا وسياسيًّا، وافتقارها للشرعيّة الدوليّة والداخليّة الواسعة.

 

يحاول كذلك حميدتي من ظهوره، أن يرتق الفتق المتسع وسط حواضن الميليشيا، حيث تسود الفتنة والعنصريّة والصراعات الطاحنة التي تضرب رحاها، حيث يمارس كارتيل أسرة آل دقلو الاستعلاء العرقيّ والتمييز العنصريّ على بقيّة المكونات، الأمر الذي فجر غضبًا عارمًا وسط المكونات العربيّة والإفريقيّة التي يقاتل أبناؤها ضمن صفوف الميليشيا، وهم يعانون من عدم صرف المرتبات وإهمال علاج جرحاهم، وتخطّيهم في التعيينات والترقيات العسكريّة والقبليّة. في وقتٍ يتمتع أبناء أسرة آل دقلو بكل الامتيازات والمخصّصات والمكافآت والعلاج في الخارج، ما جعل الصراع يتقد، وبات جنود الميليشيا يوجّهون الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي لحميدتي وقادة الميليشيا.

 

تناقضات خطاب حميدتي

حميدتي في خطابه عقب تعيينه رئيسًا للمجلس الرئاسي المزعوم، قال إنّه سيكون كذلك رئيسًا للحكومة، وهو أمر مضحك، حيث إنّه في ذات الوقت سمى تابعه المطيع التعايشيّ رئيسًا لحكومة “الاسافير”. ومن سخريّة التقلُّبات في المواقف، كان ذات التعايشي يقول في الماضي إنّه لا يجب أن يكون لجنجويد الدعم السريع وجود في الدولة، وأنّ أياديهم الملطّخة بالدماء لا يمكن مصافحتها، وهو ذات قول الانتهازيّ الحلو.

 

حميدتي دعا في خطابه للسلام وإنهاء الحرب عبر مشروع وطنيّ جامع، وفي ذات الوقت يهاجم عبر قواته معسكرات النازحين في دارفور تقتيلاً وتشريدًا واغتصابًا. كما تعهّد حميدتي بالسماح بمرور المساعدات الإنسانيّة وحماية القوافل، لكنّه في ذات الوقت يحاصر الفاشر ويقصفها بالمدفعية الثقيلة، ويبني الخنادق والمتاريس حول المدينة التي يموت أطفالها ونساؤها جوعًا.

 

حميدتي ودعاميه الدوليّون يعقّدون بخطوة الحكومة الإسفيرية جهود الوساطة العربية والإفريقيّة والدوليّة للتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم، واستئناف محادثات السلام، ويجعلون التفاوض أكثر صعوبة.

 

حميدتي بهذه الانتهاكات، يتعمّد إثارة التوترات الاجتماعيّة في دارفور، ولا يخفي عنصريّته البغيضة تجاه المكوّنات الافريقية. يقول مختبر الأبحاث الإنسانيّة بجامعة ييل: إنّ الدعم السريع أقام حواجز تمنع سكان الفاشر من الخروج، مع تقارير عن هجماتٍ وسرقات بحقِّ المدنيين.

 

بين التفاوض والتصعيد.. سيناريوهات المشهد المعقد!

 

بلا شك، إنّ إعلان الحكومة الإسفيرية يجعل الأطراف الدوليّة المهتمة بعملية السلام تدفع نحو استئناف المفاوضات تحت الضغط، خصوصًا مع ازدياد الضغوط الإنسانيّة في السودان. لكن بلا شك، إنّ التصعيد العسكريّ يبقى هو السيناريو الأرجح في الأيام المقبلة، خصوصًا في دارفور وتخوم كردفان.

 

كذلك تضع الإمارات في نهجها تقسيم السودان بذات السيناريو الليبيّ، بحيث يكون لحكومة الخرطوم أقاليم معينة وللميليشيا أقاليم محددة، حتى تعزّز نفوذها بتفكيك السودان. لكن هذا السيناريو تُفشله ميليشيا الخراب التي تعيث في الأرض فسادًا أينما حلّت، بعكس ليبيا التي قام فصيلاها المتناحران بوضع خدمة المواطن وأمنه أولويّة مع الحفاظ على البنية التحتيّة وموارد الدولة وتعزيز الوحدة المستقبليّة. بعكس جحافل الجنجويد من قاطعي الطرق وسفاحي الدماء آكلي المال الحرام المعطون بروائح الموت والبارود.

 

كذلك من المرجّح أن تفرض الأمم المتحدة ومجلس الأمن المزيد من العقوبات والضغوط على الميليشيا وقادتها لإيقاف فرض حكومة موازية، مع التركيز على حماية المدنيين وإيصال المساعدات.

 

الدور الإجراميّ الذي تقوم به الإمارات بمدّ الميليشيات بالمسيّرات الاستراتيجيّة والأسلحة والعتاد، وجلب المرتزقة من مختلف دول العالم، بات يُقلق حتى حلفاء أبوظبي، كونه يمثّل تهديدًا للأمن والسلم الإقليميّ والدوليّ. فحتى جهاز المخابرات الأمريكيّة دخل على الخطّ وأبلغ الاتحاد الأوروبيّ بمسار السفن التي تمرّ عبر موانئ البحر الأبيض المتوسط تحمل الأسلحة الإماراتيّة للدعم السريع، وأوصى بإيقاف وصولها إلى السودان عبر ليبيا.

 

كذلك اعترض العديد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنُّواب الأمريكيّ على الدعم الإماراتيّ للميليشيات، وحثّوا الإمارات على التوقّف الفوريّ عن هذه الأفعال، كما قدّموا مشروع قانون يُطالب بوقف بيع السلاح لأمريكا إلى دولة الإمارات.

 

* كلّ هذه البراهين والأدلة التي تلطّخ سمعة الإمارات باتت تسبّب صداعًا في رأس أبوظبي، إلّا أنّها لا تستطيع الانسحاب من المشهد ورفع يدها عن تمويل الميليشيات، ما لم تضمن مصالحها في السودان في المستقبل، وهي معادلة صعبة تحاول إقناع حلفائها الدوليّين بها من أجل فرضها على السودان.

شارك

مقالات ذات صلة