مجتمع

بين الزيتون والدّم… المدينة التي لم تنسَ صوت أبنائها

سبتمبر 2, 2025

بين الزيتون والدّم… المدينة التي لم تنسَ صوت أبنائها

– الكاتب: هبة الله بدر

 

مدينة صغيرة نسبيا لكنها ذات أهمية تاريخية واستراتيجية. تحيط بها بساتين الزيتون والحمضيات، وتتميز بتنوع سكاني من طوائف متعددة، وما تزال مركزاً حيوياً مهماً بسبب المصفاة والميناء، إضافة إلى كونها عقدة مواصلات ساحلية. هي مدينة ذات جذور تاريخية عميقة في التاريخ، شهدت حضارات مختلفة وتركت آثارها على التراث الثقافي.

بانياس

ليست مجرد مدينة ساحلية على خريطة سوريا، بل شاهداً حيّاً على تحولات عميقة عاشتها البلاد. اختزنت في طيّاتها آلام القهر والعذاب، كغيرها من المدن السورية، وتأثرت بانقسام سياسي ومذهبي، الأمر الذي انعكس على النسيج المحلي، وترك أثراً بالغاً في العلاقات بين مكوناتها السكانية.
شهدت بانياس خلال الأيام الأولى للثورة السورية مظاهرات سلمية شارك فيها سكان المدينة وريفها، رافعين شعارات تنادي بالحرية والكرامة. وقد شكّلت هذه المظاهرات حدثاً لافتاً منطقة عُرفت بتركيبتها الحساسة، ما جعلها محط أنظار النظام وأجهزته الأمنية. هذا التصعيد عكس إصرار السلطة على إخماد أي تحرك مبكر قبل أن يمتد إلى باقي مدن الساحل السوري.


أحداث العنف

في أيار/ مايو 2013، وبعد عامين من اندلاع الثورة، شهدت المدينة والقرى المحيطة خاصة البيضا ورأس النبع، مواجهات دامية.
يُعتبر ما جرى في قرية البيضا من أبرز الأحداث المأساوية في تاريخ المنطقة، فوفق شهادات ووسائل إعلام محلية ودولية، قامت قوات النظام باقتحامات وحملات قصف أعقبها اعتقالات واسعة تلتها عمليات إعدام ميداني وحرق للمنازل، وتحدثت تقارير دولية عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، فيما عُرف لاحقاً بـ”مجزرة البيضا”.


تمت بعض عمليات الإعدام داخل منازل الناس، ووقع بعضها الآخر أمام أحد المباني أو في الساحة الرئيسية للبلدة، وتم الإبقاء على حياة عدد من السيدات والأطفال، لكن غيرهم لم ينجُ.


في نفس يوم الاشتباكات، اندلع القتال في راس النبع القريبة، التي تعد إحدى ضواحي بانياس.
هذه المجزرة كانت واحدة من أبشع الجرائم بحق المدنيين في الساحل السوري، وتمثل مثالاً صارخاً على قمع النظام للثورة السورية ومحاولته سحق أي مقاومة شعبية. والتي تركت جرحاً عميقاً في ذاكرة الأهالي، ورسّخت صورة بانياس كمدينة دفعت ثمناً باهظاً.


العدالة والمحاسبة

بعد مرور ذكرى مجازر عدة، من الغوطة إلى البيضا، ولأن ذكرى مجزرة البيضا وقعت منذ أشهر، من المهم إبرازها كجزء من ذاكرة الثورة السورية.
تحقيق العدالة ليس مطلباً شخصياً فحسب، بل هو جزء من حق الشعب السوري في القصاص، وتذكير الأجيال القادمة أن الجرائم لم ولن تُنسى.
بانياس، العروس التي حاولوا اغتيالها بالدم والنار، ستبقى شاهدة على الجرح الذي لا يُمحى.
في كل يد امتدت للسلام، ومع كل صوت هتف، نجد وعد الفجر الذي سيبزغ لا محالة.

شارك

مقالات ذات صلة