سياسة
تقرير دوري – 31 آب/ أغسطس 2025
وجاء هذا اللقاء تزامناً مع قرار وزارة التجارة الأمريكية برفع القيود عن الصادرات إلى سوريا، وإعلان وزارة الخزانة الأمريكية إلغاء لوائح العقوبات عن سوريا وحذفها بالكامل من قانون اللوائح الفدرالية، ما يمثِّل إنهاءً لحقبة استمرت أكثر من عقدين من العقوبات المفروضة على البلاد، وتطوراً من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للشعب السوري، حيث سيسهم في تسهيل الحركة التجارية والمالية ويرفع القيود عن الصادرات الأمريكية إلى سوريا، كما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
وتكللت هذه الزيارات أيضاً بسحب مشروع القانون “H.R. 4427″، الذي يطالب بتمديد عقوبات “قانون قيصر” على سوريا لمدة سنتين إضافيتين، من جدول أعمال الكونغرس الأمريكي، ليبقى مشروع إلغاء العقوبات بالكامل القرارَ الوحيد على جدول أعمال المجلس. واللافت في هذه الخطوات أنها تؤكد استمرار الدعم الأمريكي من قبل أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي للحكومة السورية الجديدة، خصوصاً بعد أحداث السويداء وتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية تجاه سوريا، ما يؤكد ثبات موقف الحكومة الأمريكية تجاه نظيرتها السورية وعدم حدوث تغييرات عميقة في هذا الصدد.
هذه الزيارة تكتسب أهمية استثنائية في ظل الظروف الحالية، حيث تسعى الحكومة السورية إلى تحويل فرصة رفع العقوبات إلى دفعة حقيقية لعملية إعادة الإعمار. وتظهر الصور المنشورة استقبالاً شعبياً ورسمياً للرئيس في المحافظات الثلاث، في مؤشر على حالة الدعم والالتفاف الشعبي حول القيادة السورية الجديدة.
من جهة أخرى، يكتسب هذا الجدل زخماً إضافياً نظراً للطبيعة الديموغرافية لهذه المناطق التي تضم أقليات عرقية ودينية، ما يضع الحكومة أمام اختبار حقيقي فيما يتعلق بجدية خطاب المُصالحة الوطنية والتمثيل العادل، وتطرح اللجنة بدائل للتعامل مع هذا الغياب، منها التصويت الخارجي أو التعيين الرئاسي أو إبقاء المقاعد شاغرة لحين توافر الأرضية المناسبة لإجراء الانتخابات.
من ناحية أخرى، تزيد التفاعلات على الأرض من تعقيد المشهد، حيث ترفض “الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي القرار وتصفه بأنه إقصائي، بينما تشهد السويداء اضطرابات أمنية تتصاعد مع تصاعد الخطاب الانفصالي. في الخلفية، يبقى السؤال الأكبر حول إمكانية تحول هذه الإجراءات إلى فرصة حقيقية لبناء ثقة تدريجية تقود إلى مشاركة شاملة في المستقبل، أم أنها ستعمِّق مشاعر التهميش وتؤدي إلى مزيد من القطيعة بين المركز والأطراف.
تواجه الهيئة تحديات جسيمة نظراً لحجم الانتهاكات وتعقيدها، التي شملت جرائم القتل والتعذيب والإخفاء القسري التي طالت مئات الآلاف من السوريين. إلا أن الدعم التقني والقانوني الذي تحظى به من خبرات دولية متخصصة يمكن أن يمكِّنها من مواجهة هذه التحديات بمنهجية مهنية وعلمية واضحة. وتمثل هذه المبادرة رمزياً اعترافاً جاداً بأهمية معالجة جراح الماضي، في وقت يترقب فيه السوريون تطبيق مبدأ “العدالة لا الانتقام” الذي قد يمهد الطريق لمستقبل أكثر استقراراً وسلمية في سوريا.
شن تنظيم داعش هجوماً إعلامياً عنيفاً عبر صحيفته “النبأ”، واصفاً العمليات المشتركة التي شنتها قوات التحالف الدولي بالتعاون مع القوات الحكومية السورية ضد خلايا تنظيم “داعش” في شمال غرب سوريا بأنها “أشد بشاعة من مجزرة الكيماوي”، ومتهماً الحكومة السورية بأنها “عدو الإسلام”. كما زعم التنظيم أن الغرب يعمل على صناعة “دكتاتور جديد من أصول جهادية” في سوريا عبر الاستثمار في فصائل مسلحة تحولت إلى “أدوات في خدمة الصليبيين”.
من جهة أخرى، كثفت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حملاتها الأمنية في محافظة الحسكة، حيث أعلنت عن اعتقال 39 عنصراً من الخلايا النائمة التابعة للتنظيم. ويأتي هذا التصعيد في إطار استمرار المواجهات ضد خلايا التنظيم النائمة، والتي تبنَّت خلال شهر آب/ أغسطس وحده 18 عملية هجومية ضد قوات قسد، معظمها تركز في محافظة دير الزور، مما يؤكد استمرار التحدي الأمني الذي يشكله التنظيم رغم فقدانه السيطرة الإقليمية.
شهدت المنطقة المحيطة بالعاصمة السورية دمشق تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً ملحوظاً تمثل في هجمات جوية متتالية، إذ شنّت طائرات الاحتلال غارات استهدفت جبل المانع، ما أسفر عن استشهاد 6 من عناصر الجيش السوري بينهم ضابط، أعقبها عملية إنزال جوي نادر في منطقة الكسوة بريف دمشق الغربي. تحمل العملية الأخيرة دلالات استثنائية تتجاوز الاستهدافات التقليدية، حيث تشير القرائن إلى أنها قد تكون عملية استخباراتية معقدة تهدف إما إلى تدمير أجهزة تنصت متطورة أو سحبها لحماية بيانات حساسة. يعزز هذا التفسير التوقيت المتزامن للعملية مع تحليق طائرات استطلاع وهبوط مروحيات في محافظة السويداء، مما يشير إلى محاولة إرباك وتشتيت القوات السورية. على الصعيد الاستراتيجي، يبدو أن إسرائيل تسعى من خلال هذه العمليات إلى تحقيق عدة أهداف: الحفاظ على هامش عملياتي في جنوب سوريا، وتقويض القدرات الدفاعية السورية، وإرسال رسائل سياسية مفادها أن القوة العسكرية تسبق التفاوض. كما أن توقيت العملية خلال افتتاح معرض دمشق الدولي يحمل بعداً رمزياً يؤكد على قدرة إسرائيل على تقويض أو تعكير أي إنجاز سوري.
بالمحصلة، يبدو أن الأوضاع الأمنية في الجنوب السوري تتجه نحو مزيد من التعقيد، حيث تفضل إسرائيل تبني استراتيجية الهجوم المتواصل بدلاً من الاستعجال في تسويات أمنية قد تقيد حريتها العملياتية، بينما تواجه سوريا تحدياً في تحقيق التوازن بين متطلبات المفاوضات والحفاظ على السيادة الوطنية.
تشهد محافظة السويداء تحولاً سياسياً وأمنياً لافتاً مع مطالب حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل طائفة الدروز في المحافظة، من سماهم شرفاء العالم ودوله الحرة بالوقوف إلى جانب الطائفة الدرزية لإعلان إقليم منفصل جنوبي سوريا، كما أُعلن عن تشكيل “الحرس الوطني”، الذي جمع تحت مظلته نحو 30 فصيلاً محلياً في وحدة تنظيمية واحدة، تحت رعاية الهجري الذي يسعى من خلال هذه الخطوة إلى توسيع نفوذه ليشمل الجوانب السياسية والعسكرية، متجاوزاً دوره الروحي التقليدي. التشكيل الذي غاب عن إعلان تشكيله عدة فصائل بارزة، عاد بعد أقل من يومين ليضم الحرس الوطني حركة “رجال الكرامة”، عقب إقصاء قائدها يحيى الحجار، بالإضافة إلى المجلس العسكري بقيادة العقيد طارق الشوفي، ما يشير إلى تحفظات محتملة لهذه التشكيلات.
بالمجمل، يعكس تأسيس “الحرس الوطني” محاولات الهجري تعزيز مشروعه السياسي المرتبط بأجندات خارجية، خاصة مع وجود فصائل ضمن التشكيل لها صلات بإسرائيل، فضلاً عن الدعوات الصريحة التي أطلقها الهجري نحو الانفصال. وتعكس التباينات القائمة بين تشكيلات الحرس الانقسام الأيديولوجي داخله، حيث ضم فصائل محلية كانت مرتبطة بالنظام السابق، وفصائل متهمة بتجارة المخدرات وتهريب السلاح، إضافة إلى مجموعات تدعو لإدارة ذاتية أو انفصال، وأخرى تقبل بحكم محلي محدود تحت سلطة الدولة السورية، ما يثير تساؤلات جدية حول مدى قدرته على تحقيق الاستقرار المنشود بعيداً عن دمشق. كما يطرح هذا الوضع مخاوف من أن يؤدي تشكيل الحرس إلى مزيد من الصدام مع الحكومة السورية، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الانفصالي للقوى المؤثرة داخله.
تشهد منطقة شمال شرق سوريا حالة من التوتر المتصاعد، فمن جهة، تتهم دمشق وأنقرة قسد بالمماطلة وعدم الالتزام ببنود الاتفاق، بينما تستعد الأخيرة عسكرياً عبر تعزيزات في الرقة ودير الزور ومنبج، مما يرفع احتمالات مواجهة وشيكة قد تعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة. تقارير صحفية تحدثت عن تحضيرات سورية لعملية عسكرية واسعة تستهدف السيطرة على الرقة ودير الزور بحلول تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بمشاركة 50 ألف مقاتل وبدعم من العشائر العربية. لكن هذا السيناريو يواجه تعقيدات جيوسياسية كبيرة، حيث يشترط نجاحه ضماناً بعدم تدخل إسرائيلي، خاصة بعد القصف الإسرائيلي الأخير لدمشق. بينما يبقى الموقف الأمريكي العامل الحاسم في هذه المعادلة، فواشنطن تواجه معضلة استراتيجية بين الحفاظ على تحالفها مع قسد، والضغوط المتزايدة من دمشق وأنقرة وحلفاء إقليميين للسماح بعملية محدودة. المراقبون يستبعدون أن تسمح الإدارة الأمريكية بانهيار شامل لقسد، لكنها قد تقبل بعمليات محدودة على غرار عملية “نبع السلام” عام 2019، مع انسحابات جزئية لقواتها. تبقى المنطقة على مفترق طرق، حيث يمكن لأي مواجهة عسكرية أن تعيد تفعيل ديناميات الصراع بشكل أوسع، وتضع جميع الأطراف أمام خيارات صعبة قد تغير بشكل جذري من مشهد سوريا ومسارها المستقبلي.
عاد معرض دمشق الدولي في دورته الـ 62 تحت شعار “سوريا تستقبل الجميع”، بعد انقطاع دام 6 سنوات بسبب الحرب والعقوبات الدولية، ليرسل رسائل قوية عن بداية عودة الحياة الاقتصادية والانفتاح السياسي. شارك في الفعالية 22 دولة وأكثر من 800 شركة من قطاعات متنوعة، بما فيها صناعية وزراعية وطبية وتعليمية وتكنولوجية، في مؤشر على رغبة دولية متنامية لإعادة الاندماج الاقتصادي مع سوريا. وتميزت الدورة الحالية بحضور عربي وتركي لافت، مما يعكس تحولاً في المشهد السياسي الإقليمي تجاه دمشق. وقد حولت الفعالية التي افتتحها الرئيس السوري أحمد الشرع من مجرد معرض تجاري إلى منصة للتواصل السياسي والاقتصادي، حيث مثلت فرصة للسوريين لإظهار قدراتهم على تجاوز آثار الحرب وإعادة البناء. كما أن الأبعاد الاجتماعية للمعرض لم تكن أقل أهمية، حيث شهدت الفعالية إقبالاً جماهيرياً كبيراً، واصطف آلاف الزوار أمام الأجنحة المختلفة.