من أجمل الأفلام الإسبانيّة، للكاتب والمخرج “أوريول باولو”.. The Invisible Guest!
تستمدُّ بعض الأفلام سحرها من قدرتها على التلاعب بعقول المشاهدين، فتجعلهم أسرى لعبة ذهنيّة معقّدة لا تُفكّ ألغازها إلا في اللقطة الأخيرة، ومن بينها الفيلم الإسبانيّ الرائع والمشوّق “The Invisible Guest” أو “الضيف الخفيّ“، الذي تمَّ إنتاجه في عام 2016، وقد أخرجه “أوريول باولو”، كما تولّى كتابة نصّه السينمائيّ مع زميلته “لارا سنديم”.
تدور أحداث الفيلم في قالبٍ من الدراما والجريمة والإثارة والغموض، مع رجل الأعمال الناجح “أدريان دوريا”، الذي يُعثَرُ عليه في غرفة فندقٍ مغلقة من الداخل بجوار جثة عشيقته “لورا فيدال”، والأدلّة تُشير إليه كقاتل، ولا مفرّ أمامه إلّا الاستعانة بمحاميةٍ مخضرمة تُدعى “فيرجينيا غودمان”، التي يُسابقها الوقت، ولا تملك سوى ساعاتٍ محدودة لتجهيز دفاعها قبل جلسة المحاكمة. وخلال جلسة مطوّلة بينه وبين المحامية، يقوم “أدريان” بسرد الأحداث التي قادته إلى هذه الورطة، التي تتضمّن علاقةًخفيّة، وحادث سير مروّع، وابتزاز، وأكاذيب متراكمة، لكن مع كلِّ روايةٍ جديدة تكشف المحامية ثغراتٍ تُحيل القضية إلى منعطفاتٍ وعرة.
يتحوّل التحقيق إلى مواجهةٍ نفسيّة شرسة، حيث تتكشّف الحقائق المدفونة والمفاجآت غير المتوقّعة حتى لحظة النهاية الصادمة، والنصّ كان محكمًا ومتماسكًا، باعتماده على بناءٍ دراميّ متصاعد يستحضر أسلوب الكاتبة الشهيرة “أغاثا كريستي” في إحكام العُقدة والتلاعب بالمشاهد حتى اللحظة الأخيرة، كما ذكّرني أيضًا بنصوص مسلسل الأنمي الرائع “المحقّق كونان”.
لقد أبدع “أوريول باولو” في رؤيته الإخراجيّة، إذ قدّم الفيلم كأنّهمسرحيّة تتشابك فصولها بإحكام، مرتكزًا على بناء توتّر داخليّ بالحوارات المكثّفة التي تُدخل المُشاهِد إلى أعماق عقول الشخصيات، والفيلم من بطولة “ماريو كاساس” بشخصيّة “أدريان دوريا”، و”آنا فاغنر” بشخصيّة “فيرجينيا غودمان”، و”باربارا ليني” بشخصيّة “لورا فيدال”، و”خوسيه كورونادو” بشخصيّة “توماس غاريدو”، وقد قدّموا أداءً جميلًا، كما أنّ المستوى الفنيّ للفيلم متميّز، فالتصوير كان مبهرًا، وكذلك المونتاج، أمّا الموسيقى التصويريّة لـ “فيرناندو فيلاكويز” فقد كانت عنصرًا جوهريًّا في تعزيز الأجواء المشحونة بالتوتّر والغموض.
بلغت ميزانيّة إنتاج الفيلم حوالي 5 ملايين دولار، وقد حقّق نجاحًا كبيرًا في شبّاك التذاكر في إسبانيا وبقيّة دول العالم، بإيراداتٍ تزيد عن 31 مليون دولار، حيث أبهر النقّاد والجمهور، وبمرور الأعوام تمَّ اقتباس النصِّ وإعادة إنتاج الفيلم بنسخة إيطاليّة في عام 2018، ونسخة هنديَّة في عام 2019، ونسخة كوريَّة في عام 2022.
إنّه حقًّا فيلمٌ رائع يجعلنا نختبر الكذب حين يتحوّل إلى وسيلةِ دفاع، والعقل البشريّ حين يبدع في نسج الأوهام في محاولةٍ يائسة للهروب من الحقيقة، وفي النهاية لا يتركنا الفيلم بإجابة، بل بسؤالٍ مفتوح يظلّ يلاحقنا: هل يمكننا حقًّا أن نثق بما نسمعه ونراه، أم أنّ الحقيقة دائمًا “ضيف خفيّ” يطلّ علينا في اللحظة التي لا نتوقّعها؟