سياسة

التفاف “قسد” على اتفاق آذار.. تعطيل للدمج وتصعيد على خطوط التماس

أغسطس 18, 2025

التفاف “قسد” على اتفاق آذار.. تعطيل للدمج وتصعيد على خطوط التماس

رغم اتفاق الموقع بين الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في العاشر من آذار/ مارس 2025، وبعد مرور أكثر من 8 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، ما تزال مخرجات هذا الاتفاق بعيدة عن التنفيذ الفعلي على الأرض.

 

 

 

بنود تعكس شراكة وطنية وتحديات على الأرض

الاتفاق، الذي جرى توقيعه عقب اجتماع بين الشرع وعبدي في 10 آذار/ مارس، نص على 8 بنود أساسية، أبرزها ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة على أساس الكفاءة، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية، والاعتراف بالمجتمع الكردي كمكوّن أصيل في الدولة السورية، وضمان حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية. كما نص على وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية، ودمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة، بما يشمل المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.

 

كما تضمن الاتفاق بنوداً أخرى، منها ضمان عودة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم، ودعم الدولة في مواجهة فلول نظام الأسد المخلوع وكافة التهديدات التي تهدد أمن ووحدة البلاد، ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين مكونات المجتمع السوري، إضافة إلى التزام اللجان التنفيذية بتطبيق الاتفاق قبل نهاية العام 2025.


التفاف قسد ومحاولات تعطيل الدمج العسكري والمدني

غير أن قوات “قسد” لم تنفذ أياً من هذه الشروط حتى الآن، بل حاولت الالتفاف على أبرز البنود، وفي مقدمتها دمج قواتها ضمن الجيش السوري ودمج المؤسسات المدنية المتمثلة بـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” -الذراع المدنية لـ”قسد”- في مؤسسات الدولة.

 

وفي مطلع نيسان/ أبريل 2025، وقعت حكومة دمشق مع “قسد” اتفاقاً جديداً يقضي بسحب نحو 500 مقاتل تابعين للأخيرة من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب اللذين كانا تحت سيطرة “قسد” إلى شرق نهر الفرات، إضافة إلى الإفراج عن الأسرى عبر دفعتين. كما نص الاتفاق على احتفاظ “قسد” بمركزين محليين يتبعان لقوى الأمن الداخلي “الأسايش” في الأحياء التي كانت تحت سيطرتها، على أن تنتقل السيطرة الأمنية الكاملة إلى دمشق، مع تشكيل لجنة مشتركة لتقييم الإدارة المستقبلية لتلك المناطق.


مطالب مرفوضة وخلافات في آلية الدمج

رغم عقد أكثر من اجتماع بين حكومة دمشق و”قسد” في دمشق بعد اتفاق آذار، بدأت الأخيرة بالالتفاف على الشروط المتفق عليها بين الشرع وعبدي. فقد أكدت مصادر مطلعة أن “قسد” طالبت بإنشاء إدارة مركزية سياسية، وهو ما رفضته دمشق رفضاً قاطعاً، كما طالبت بأن تكون قواتها كتلة واحدة ضمن الجيش السوري، لكن الحكومة أكدت أن عملية الدمج يجب أن تتم وفق القواعد التي خضعت لها بقية الفصائل التي اندمجت تحت مظلة الجيش السوري، بما فيها “الجيش الوطني” وباقي الفصائل المعارضة السابقة.


تصعيد ميداني رغم الاتفاقات

 

بعد الاتفاقات وجلسات المفاوضات، ما تزال “قسد” تعزز قواتها على خطوط التماس في ريف حلب الشرقي، وريف الحسكة الشمالي، وريف الرقة الشمالي، وريف دير الزور الشرقي والغربي، مع تكثيف حفر الأنفاق في الرقة والقامشلي والطبقة، وعلى خطوط التماس مع الجيش السوري، إلى جانب استمرار حملات التجنيد الإجباري، في مؤشرات على استعدادها لعمليات عسكرية جديدة وعدم التزامها ببنود الاتفاق.

 

كما شهدت خطوط التماس بين قوات “قسد” والجيش السوري أكثر من اشتباك منذ توقيع اتفاق آذار 2025، تخللها عمليات تسلل نفذتها “قسد” على محاور الجيش في ريف حلب الشرقي، وأسفرت عن إصابة مدنيين وعسكريين، كان آخرها قبل أيام.


قسد بين تقليص الدعم الأمريكي والموقف التركي ورفض دمشق

الباحث والضابط السابق رشيد حوراني، قال في حديث لمنصة “سطور” إن توقيع قسد لاتفاق 10 آذار مع الحكومة السورية لم يكن بقناعة تامة تهدف إلى التعاون مع دمشق والسير معها لتوحيد سوريا ومنع الانقسام، بل كان مجرد انحناء للعاصفة، بعدما رأت الدعم الدولي والعربي والإقليمي للحكومة الجديدة، فسعت إلى دمشق لدق إسفين بينها وبين حليفها التركي الذي يدرك تماماً حجم ودور حزب العمال الكردستاني (PKK) في صفوفها، ولديه موقف معلن ضدها.

 

وأوضح حوراني أن “قسد” تواجه اليوم 3 عوامل أساسية وتلعب على عامل الوقت: أولها تقليص الدعم الأمريكي لها في ميزانية عام 2026، وثانيها الموقف التركي الحازم الذي يرفض استمرار وجودها كامتداد لحزب العمال الكردستاني، أما الثالث والأهم فهو رفض حكومة دمشق الاعتراف بأي كانتون داخل الجغرافيا السورية أو منحه أي امتيازات عسكرية أو سياسية.


أوراق دمشق في التعامل مع الملف الكردي 

 

وأشار حوراني إلى أن الحكومة السورية تمتلك أوراقاً متعددة للتعامل مع قسد، لكنها تسعى لحل شامل غير مجتزأ. على سبيل المثال، عرضت قسد في إحدى جلسات المفاوضات تسليم كل من الرقة ودير الزور لدمشق مقابل الإبقاء على سيطرتها في الحسكة، وهو ما رفضته الحكومة.

 

وأضاف أن الولايات المتحدة تعتبر الحكومة السورية شريكاً مناسباً في مكافحة تنظيم “داعش”، وقد أعربت عن ذلك أكثر من مرة، ومن المحتمل أن تطلب دمشق من واشنطن أن تكون شريكها الوحيد في سوريا ضد “داعش”، ما قد يسحب البساط من تحت قسد.

 

كما لفت حوراني إلى أنه على المستوى الاجتماعي، تستطيع دمشق تفتيت قسد من الداخل عبر التواصل مع العشائر العربية وسحب أبنائها من صفوفها، إلا أن الحكومة لم تقدم على هذه الخطوة حتى الآن لتجنب زيادة الاستقطاب بين العرب والكرد. كذلك بإمكان دمشق التنسيق مع تركيا لمعالجة ملف قسد، خاصة أن أنقرة شنت عملية عسكرية ضدها عام 2019 تحت مسمى “نبع السلام”.


المرحلة الانتقالية.. اختبار سياسي وأمني لم يُحسم بعد

منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة سياسية دقيقة، تُوصف بأنها الأصعب منذ اندلاع الثورة في 2011، وذلك بسبب تراكم ملفات عالقة تتعلق بإعادة بناء مؤسسات الدولة وتوحيد سلطتها على كامل الجغرافيا السورية. المرحلة الانتقالية التي يقودها الرئيس أحمد الشرع جاءت وسط حالة من الانقسام الجغرافي والسياسي والعسكري، حيث كانت البلاد مقسمة عملياً بين قوى وفصائل متعددة الولاءات، بعضها يمتلك دعماً إقليمياً ودولياً، وفي مقدمتها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وشرق البلاد.

 

الاتفاق الذي وُقع في العاشر من آذار/ مارس 2025 بين الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، لم يكن مجرد تفاهم ميداني محدود، بل جاء محاولة لصياغة إطار سياسي وأمني شامل لدمج مناطق الإدارة الذاتية في جسد الدولة السورية، وضمان مشاركة جميع المكونات في العملية السياسية. من الناحية النظرية، مثل هذا الاتفاق خطوة جوهرية في مسار توحيد البلاد، ووضع أسس لشراكة وطنية جديدة، لا سيما أن بنوده الثمانية عالجت قضايا حساسة مثل وقف إطلاق النار، ودمج القوات العسكرية، وتوحيد إدارة الموارد والمعابر، وضمان حقوق المكونات القومية والدينية.

 

 

لكن، سرعان ما برزت مؤشرات على أن الطريق من التوقيع إلى التنفيذ مليء بالعقبات. فـ”قسد” وإن كانت قد أظهرت مرونة في الجلوس على طاولة المفاوضات، إلا أن خطواتها الميدانية خلال الأشهر التالية حملت رسائل مغايرة، تمثلت في تعزيز انتشارها على خطوط التماس، وحفر الأنفاق، ومواصلة حملات التجنيد الإجباري، إضافة إلى طرح مطالب سياسية وعسكرية رأت دمشق أنها تتعارض مع مفهوم الدولة الموحدة.

 

هذا التناقض بين النصوص الموقعة على الورق والواقع الميداني على الأرض يعكس أحد أبرز تحديات المرحلة الانتقالية في سوريا: غياب الثقة بين الأطراف، وتداخل الحسابات المحلية مع الأجندات الإقليمية والدولية. فـ”قسد” ما تزال ترتبط عضوياً بحزب العمال الكردستاني، وهو ما يجعل موقف تركيا منها عدائياً بشكل ثابت، بينما تعتمد أيضاً على الدعم الأمريكي الذي يمر بمرحلة إعادة تقييم، في وقت تحاول فيه دمشق فرض رؤيتها لدمج جميع القوى ضمن إطار الدولة المركزية.

 

انطلاقاً من ذلك، يمكن النظر إلى اتفاق 10 آذار/ مارس كاختبار سياسي وأمني مزدوج: سياسي لقياس قدرة الأطراف على بناء شراكة وطنية رغم الخلافات العميقة، وأمني لقياس مدى الالتزام بوقف التصعيد ودمج البنى العسكرية ضمن الجيش السوري. وفي ظل التعثر الحالي، يبدو أن هذا الاختبار لم يحسم بعد، وأن الأشهر المقبلة ستحدد ما إذا كان الاتفاق نقطة بداية لمسار اندماج، أم محطة عابرة في مسار نزاع متجدد.

شارك

مقالات ذات صلة