مجتمع

تشويه الأخلاق كيف حاول النظام البائد غسل أدمغة السوريين؟

أغسطس 16, 2025

تشويه الأخلاق كيف حاول النظام البائد غسل أدمغة السوريين؟

– الكاتبة: ضحى السطم

 

في بداية الثورة السورية، كنتُ ما أزال طالبة في الابتدائي وكانت المظاهرات والأقاويل جديدة علينا لا نفقه منها سوى ما نسمعه من عائلاتنا في المنزل، ويحضرني اليوم موقفاً حصل إبان تلك الأيام، فلقد جاءت إحدى الآنسات إلى الصف وأخبرتنا عن” مؤامرة كونية” يتعرض لها الشعب السوري، وأن حامي الشعب الفارس المغوار بشار الأسد -لعنه الله- هو منقذ هذه الأمة، ونحن الجيل القادم الذي سيساند الدولة وحاكمها، ثم أجبرتنا على مد أذرعتنا وقول القسم!! حقاً، قلنا بصوت واحد أقسم بالله العظيم أن… وبدأنا بتمجيد القائد البائد، ومعاهدتنا أمام أنفسنا على الوقوف بجانبه، وحين أنهينا قالت تلك الآنسة بكل ثقة بالنفس إن هذا القسم هو أمام الله وستُحاسبون عليه إذا نكثتم به! أريد اليوم أن أسألها عن القسم الذي أقسمته هي حين بدأت بتعليم الأطفال واعتبار نفسها قدوة للأجيال، أو القسم الذي أقسمه الطاغية البعثي أمام الله والعالم وأمام نفسه ليحمي هذا الشعب وهذه الأرض.

 

 

في عام 2020 على ما أذكر، شاهدتُ وثائقي الناجين من المعتقل الأسدي، وكانت المعتقلة السابقة تتحدث عن تجربتها في التعرض للتعذيب في تلك السراديب، ولقد قالت إن أحد الجنود دخل عليها وبدأ بضربها بشكل هستيري، وكان من مدينتها، وكان يشتم ويعنّف بطريقة مجنونة، وهو يقول لها يا خائنة أنتِ التي أعطيتِ معلومات سرية للإسرائيلين!! ورغم بشاعة الموقف هذا إلا أنه يعبّر عن فكرتين رئيسيتين إحداهما صلب المقال، أولاً أن جنود النظام المخلوع الذين ساندوه وقاتلوا من أجله كانوا حفنة من الجهلة، الساقطين أخلاقاً وعلماً، وثانياً أن الولاء الأعمى الذي يحمله هذا السجان وغيره كثيرون نحو البعث الفاسد كان يجعلهم غير منطقيين وقساة لدرجة تبعث على الدهشة.

 

 

المثالان أعلاه كانا مجرد توضيح للأمر الذي يتم تهميشه أحياناً، وهو محاولة النظام الفاسد السابق تغيير الدولة بالكامل بشكل تدريجي وعلى مدار أعوام وأعوام، نظام الأسد لم يكن عجولاً.. ولم يرغب في دولة تُمجد بخوف طوال عمرها، لأنه يدرك أن هذا الخوف سيتحول لغضب وينفجر في وجهه، لذا أراد بناء حضارة جديدة من الصفر، وعلى مهل، فيها شعب جاهل يقدّسه ويحبه ويموت لأجله.. دون أن يعرف -هذا الشعب المسكين- لماذا يفعل هذا.

إن القاعدة الأولى لتوجيه الأمة نحو المصلحة الدكتاتورية هي تغيير هذه الأمة أخلاقياً، وهذا ما بدأ به حافظ الملعون وأكمله ابنه المخلوع، كان النظام مبرمجاً ليعبث بأخلاق ومبادئ الشعب السوري، فيفرض عليهم ثقافات غربية ويجبرهم على الاندماج مع مزيج من العادات غير الإسلامية حصراً، والتي تهدف للقضاء على لبّ الفطرة الأخلاقية في نفوس الشعب السوري. تلك الثقافات كانت تأتي أولاً عن طريق الإعلام، المسلسلات التي نتشدق بجمالها وعفويتها كانت مليئة بقصص عن عنف الملتزم دينياً، وجهل المرأة المحجبة، وضرب الزوج لزوجه، ثم تبرير الخيانة والزنا والرشاوي والفساد حتى السياسي، فكان المشاهد السوري خاصة الأطفال يتعرض لهذا النوع من الأفكار ويتم الترويج على أنها “عادية” “طبيعية” بل هي “أصل الثقافة السورية”، كما لو أن الثقافة السورية محصورة بأهل الغرام وباب الحارة.

 

 

لم يكتفِ النظام السوري السابق بهذا، بل حاول تغيير الأخلاق والمبادئ عبر المنهاج التعليمي، فكما لو أن هذا الحقل الذي يُفترض به أن يكون تربوياً يُنشئ أطفالاً يبنون سوريا للمستقبل، صار نظاماً مليئاً بالأفكار السامة، فأدرج مادة القومية والتي هي مجرد قصائد فخرية تمدح الحزب العالي المقدس!، وكنا مجبرين على دراسة هذه المادة القذرة، كما همّش مادة اللغة العربية، ولم يعطِ أي أهمية للمواد العلمية العملية فكانت الإحياء والكيمياء تُدرّس نظرياً ولا تُطبّق إلا بأدمغة الطلاب، كما حجّم المادة الإسلامية وبتر منها ما استطاع لإبعاد الطالب عن العقيدة الصحيحة وما أزال أذكر حتى الآن آنسة الديانة في المدرسة تخبرنا (حرام الواحد يبكي وهو يصلي!!) وهذه المفارقة تضحكني حتى الآن.

 

 

الحديث عن النظام التعليمي يطول، فلننتقل لباقي الأنظمة مثل النظام الأسري الذي حاول النظام تفكيكه ببطء، فصرنا نرى الزوجة تشي بزوجها أو العكس، أو النظام في الدوائر الحكومية المليئة بالرشاوي والفساد، أو النظام الطبقي الذي قدمه البعث بطريقة فريدة من نوعها حيث لم تكن الطبقة العليا هي المخملية والثرية بل ببساطة هم الأقلية العلوية والعاملين في سلك الحكومة نفسها، وبهذا صار حتى النظام العسكري الذي عادة يحمي المواطن هو ضد المواطن ولا يحمي سوى الأسد أو يحرق هذه البلد.

 

 

إن النظام السوري السابق، عبث بهذه الدولة بطريقة -لو تمعنا فيها- سنجدها مرعبة، أباح المحرمات ونشر الرذائل وعاث بهذه الأرض فساداً. هو أراد أن يحلّ هذه الثقافة ويبيد جذور الأخلاق السورية ويقضي على أي محاولة لإحياء العلم والإسلام والحرية، ولهذا كنا نرى أغلب القابعين في سجونه هم علماء وأدباء وشيوخ دين. لكن اليوم، نكتشف بعد عناء، وبعد أن دفعنا الثمن، أن محاولاته القذرة باءت بالفشل ولله الحمد، وأنه لم يستطع القضاء على العلم والأخلاق والكرامة والحرية، لم ينجح رغم محاولاته الحثيثة لأن الله عز وجل أعطى لعباده العقل وحرّضهم على السؤال والنقد، وأعطاهم العين ليبصروا الانهيار التدريجي للأمة الإسلامية علّهم يستيقظون، وأعطاهم القوة ليرفضوا الخضوع في ظل نظام جائر. فلو كان فعلاً الأسد البائد قد نجح في تشويه أخلاق المجتمع السوري، لما قامت ثورة آذار أصلاً ولما رأينا سوريا تتحرر وتنهض من بين الرماد.

شارك

مقالات ذات صلة