آراء
حينَ تنظرُ إلى السماءِ في مدينتكَ،
أطلِ النّظرَ،
ولا تغلقْ عينيكَ بسرعة.
فأنا منذُ عامين لا أستطيع النّظر في سماء مدينتي،
فالرصاص الذي يهطلُ من الأباتشي والطائرات المسيّرة علينا
لا يشبه المطر.
حين تلمسُ أوراقَ الأشجارِ في مدينتك،
المسها بعناية،
ولا تتركْهَا تنفلتُ من يديكَ بسرعة.
فأنا منذ عامين لا أستطيع لمس أوراق الأشجار،
فالأشجار تحوّلت إلى رمادٍ،
والصبّار الذي نجا من الإبادة
مليءٌ بالشوك،
ويداي لم تعودا تحتملان مزيدًا من الجروح.
حين تأكل طبقك المفضّل في مدينتك،
تناوله بعناية،
واستمتع بكلّ لقمةٍ،
واشعر باحتفاءٍ كبير،
ولا تنهِ طبقك سريعًا،
فتلك لحظةٌ نادرةٌ لم أكن أعرفها من قبل.
فأنا منذ عامين تحت الإبادة،
لم أتناول طبقي المفضّل،
ولم أتذوق الطعام الذي أحبّه،
أتناول طبق العدس اليوميّ بسرعة
لكيلا أحسّ بطعم الإبادة أكثر..
حين تستمتع لأغنيتك المفضّلة في مدينتك،
أغمض عينيك وتنفّس بعمق،
واسمح لروحك أن تتصل بها،
فتحلّقان في سماوات الحبّ.
فأنا منذ عامين لا أستطيع سماع أغنيتي المفضّلة في مدينتي،
حين أغلق عينيّ،
أفتحهما بسرعة،
فالانفجارات لا تفهم الموسيقى،
بل تقتلها!
حين يلتقط أحد رفاقك صور السيلفي معك ويكرّر الصورة عشرات المرّات،
لا تتذمر،
فكلّ صورةٍ هي صوتٌ حقيقيّ للفرح،
ستحبّ أن تعيد سماعه كلّما شعرت بالحزن.
ففي مدينتي،
نجوتُ أكثرَ من مرّة من الموت،
وقد نجتْ كاميرا هاتفي المحمول من القصف،
حاولتُ أن ألتقط صورة سيلفي قبل أيام،
فلم أنجحْ،
لقد كانت كاميرا هاتفي جيّدة،
لكنَّ أطفالي ورفاقي الذين ألتقط معهم الصور
قد رحلوا للأبد!
حين تستطيع ممارسة رياضة المشي في مدينتك،
راقب كل شيء من حولك،
احفظ أماكن الأشجار والمقاعد بينها،
شكل الأرصفة،
تأمّل وجوه الناس الذين تصادفهم كل يوم،
ألقِ التحية عليهم،
ولا تنسَ أن تبتسم،
أرجوك ابتسم لكلّ شيء، حتى للقطط الهاربة من الكلاب
علّها تتخفّف من خوفها حين ترى ابتسامتك.
فأنا منذ عامين لا أستطيع ممارسة رياضة المشي في مدينتي،
لقد تحوّلتْ إلى حطام،
ولاحظتُ أنّني صرت أخاف من المشي في شوارعها،
لقد قصفوا حتى القطط الخائفة،
لم يتبق سوى الكلاب الجائعة الهزيلة.
حاولت أن أبتسم لها،
علّها تتخلص من خوفها من صوت الصواريخ،
لكنّني لم أستطع التبسُّم،
فبكيت!
آلاء القطراوي
9 /8 /2025
1 صباحا
غزّة