Blog

فيلم الأنيميشن الأعلى تقييمًا في تاريخ السينما.. Spirited Away!

أغسطس 9, 2025

فيلم الأنيميشن الأعلى تقييمًا في تاريخ السينما.. Spirited Away!

ليست كل الأفلام قادرة على أسْر الروح، ولا كل المخرجين يستطيعون أن ينسجوا من الخيال عالمًا يُضاهي الواقع في عمقه وجماله، لكن “هاياو ميازاكي” أثبت للعالم موهبته وإبداعه من خلال تحفته السينمائية الأشهر في مسيرته، وأقصد بذلك فيلم “Spirited Away” أو “الروح المخطوفة”، وهو فيلم أنيميشن ياباني من إنتاج عام 2001، وأصنّفه كواحدٍ من أفضل 10 أفلام شاهدتها في حياتي.

تبدأ أحداث الفيلم مع فتاة صغيرة تُدعى “شيهيرو”، التي ترافق والديها في السيارة للانتقال إلى منزل جديد، وبينما يسلكون طريقًا جانبيًا يبدو مهجورًا ويقودهم إلى مدينة غريبة، ويقّرر والداها التوقّف لتناول الطعام في أحد المطاعم الخالية، لكنهما يتحوّلان إلى خنزيرين، فتجد “شيهيرو” نفسها عالقة في المكان، وتُجبَر على العمل في مسبح كبير تديره الساحرة “يوبابا”.


ومن خلال هذه التجربة تمرّ “شيهيرو” بتحوّل نفسي عميق، فتنضج سريعًا، وتتعلم الصبر والمسؤولية، وتكتشف معنى الهوية والشجاعة، وهي تسعى لإنقاذ والديها والعودة إلى عالمها، لكنها تواجه تحدّيات غريبة وتقابل شخصيات فريدة من نوعها، من بينها الفتى الغامض “هاكو”، والمخلوق المُريب “بلا وجه”.

ما يميّز هذا الفيلم لا يقتصر على قصته الساحرة، بل يمتد إلى أسلوب السرد الرائع لـ “هاياو ميازاكي”، بابتكاره لعالمٍ سينمائي لا يشبه أي عالم آخر، والمدينة التي تجد “شيهيرو” نفسها داخلها ليست مجرد مكان خيالي، بل انعكاس رمزي للواقع الياباني المعاصر، تُصوَّر بعينٍ أسطورية تفيض بالرموز والدلالات، فالقوانين الغريبة والشخصيات العجيبة ليست عبثية، بل تحمل معاني خفية، من تحوّل والدي “شيهيرو” إلى خنزيرين كتجسيد للجشع والاستهلاك، إلى فقدانها لاسمها الذي يرمز إلى تلاشي الهوية في مواجهة قوى السيطرة والنسيان.


“هاياو ميازاكي” ينتمي إلى فئة نادرة من المخرجين الذين يحوّلون الرسوم المتحرّكة إلى تجربة فلسفية وروحية، وقد كتب النص السينمائي بنفسه، مُستلهمًا أفكاره من تجاربه الشخصية، ومن الفلكلور الياباني، ومن نقده العميق للرأسمالية الحديثة، ورغم أنّ الفيلم أنيميشن ويستهدف الأطفال، إلا أنّه يخاطب جميع الفئات العمرية، فالأطفال ينبهرون بالألوان والمخلوقات الغريبة، بينما يستشفّ الكبار الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياسية.

من المشاهد الخالدة في الفيلم مشهد ركوب “شيهيرو” القطار بصحبة “بلا وجه” في رحلة صامتة عبر البحر الساكن، وهذا المشهد هو ذروة شاعرية الفيلم، ويُجسّد العزلة والتأمل والانتقال النفسي من مرحلة إلى أخرى، وهناك أيضًا مشهد آخر لا يقل رمزية وجمالًا حين تجد “شيهيرو” نفسها تائهة ويظهر عمود إنارة غريب فينحني لها بطريقة ودّية ثم يقودها إلى كوخ صغير، ويجب أن أشيد بـ “جو هيسايشي” الذي أذهلنا بالموسيقى التصويرية العذبة، التي أضفت على الفيلم طبقة رقيقة من الشاعرية والتأمّل، وجعلتنا نعيش تجربة وجدانية لا تُنسى.


بلغت ميزانية إنتاج الفيلم حوالي 19 مليون دولار أمريكي، وقد حقّق نجاحًا فاق كل التوقعات، حيث وصلت إيراداته إلى أكثر من 395 مليون دولار في شبّاك التذاكر في اليابان وبقية دول العالم، وقد فاز الفيلم بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أنيميشن، وهو يحتل اليوم مركزًا متقدّمًا، والأعلى من بين أفلام الأنيميشن، في قائمة أفضل 250 فيلمًا في موقع imdb حسب تصويت الجمهور.

الفيلم أشبه برسالة حب إلى الخيال، وإلى الطفولة، وهو أيضًا احتفاء بالإنسان، في ضعفه حين يضيع، وفي قوّته حين يجد طريقه من جديد، وفي عالم “هاياو ميازاكي” لا يكون الخلاص في الانتصار على الشر، بل في فهم الذات، والإيمان بأنّ الشجاعة قد تبدأ بخطوة صغيرة، حتى لو كانت داخل طريق مهجور يقود إلى عالم آخر.

شارك

مقالات ذات صلة