سياسة

السويداء.. ساحة صراع المشاريع وكسر إرادة التقسيم

أغسطس 9, 2025

السويداء.. ساحة صراع المشاريع وكسر إرادة التقسيم

– الكاتبة: هبة ماهر

 
 

 

في ظلّ تصاعد الأزمات السياسية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط، تبرز أحداث السويداء حالة درامية تعكس صراعات أعمق وأجندات إقليمية تتجاوز مجرد الخلافات الطائفية أو المحلية. هذا المقال يتناول هذه الأحداث من منظور شامل يربط بينها وبين المشروع الصهيوني القديم الذي يسعى لإضعاف الدول العربية وتقسيمها، مع التركيز على الدور الذي تؤديه القوى الإقليمية والدولية في هذا السياق. كما يناقش المقال تأثير هذه السياسات على النسيج الاجتماعي في سوريا، ويستعرض مواقف المقاومة والبطولة التي أظهرها أبناء البادية، ليخلص إلى توصيات تحمي السيادة الوطنية وتدعم التماسك الداخلي.

 

 

ما جرى في السويداء

ما جرى في السويداء لم يكن مجرد خلاف عابر بين الدروز والبدو، بل يُعدّ مظهرًا من مظاهر مشروع صهيوني قديم تسعى إسرائيل لتنفيذه منذ عقود، ويخدم بدرجة أولى المصالح الأمريكية في المنطقة. هذا ما أكده رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عند انسحاب الجيش السوري من السويداء حين قال: “هذا ما فعلته أنا بالقوة”، تصريح يُظهر بوضوح أن  ما يجري ليس عفويًا بل جزءاً من مخطط مدروس لإضعاف الدولة السورية وتمزيق بنيتها الاجتماعية.

 

إسرائيل لا تتردد في استخدام النهج نفسه مع أي دولة أخرى في الجوار، في محاولة لتفكيك البيئة الأمنية الممتدة من الأناضول إلى النيل، وجعل الشعوب مشغولة بلقمة العيش والأمان الفردي على حساب القضايا الكبرى. لذلك جاء البيان المشترك من دول خليجية ولبنان ومصر وتركيا رافضًا التدخل الخارجي في الشأن السوري، في إشارة إلى إدراك هذه الدول لخطورة التدخلات التي قد تشعل المنطقة بأسرها.


سياسة الفتنة: نهج قديم ومتجدد

ما جرى في السويداء هو أحد تجليات سياسة “الفتنة” التي اعتمدتها إسرائيل عبر التاريخ. كما فعلت في الحرب الأهلية اللبنانية (1975–1990) حين دعمت مليشيات مسيحية مثل “القوات اللبنانية” بقيادة بشير الجميل، وساهمت في تغذية الصراع بين المسيحيين والفلسطينيين، وشاركت بشكل غير مباشر في مجازر مثل صبرا وشاتيلا. كما زوّدت الحركة الانفصالية في جنوب السودان بقيادة جون قرنق بالسلاح والتدريب، ها هي تكرّر السيناريو ذاته اليوم داخل سوريا.


الهدف واحد: إشعال الحروب الداخلية بأدوات محلية لتمرير أجندات تخدم الاستيطان والهيمنة ونهب القرار الوطني.


الدروز في عين الاستهداف الصهيوني

منذ عام 1949، قدّمت إسرائيل نفسها “حامية للأقليات”، مركزة اهتمامًا خاصًا بالدروز داخل فلسطين المحتلة، وسعت لعزلهم عن باقي العرب. وفي 1956 فرضت عليهم التجنيد الإجباري، وخصّصت لهم مناهج تعليمية منفصلة، وقدّمت لهم إغراءات اقتصادية واجتماعية. من السبعينيات حتى مطلع الألفية، دعمت نخبة درزية موالية لها سياسيًا وأمنيًا، عبر تعيين ضباط في الجيش وتسهيل دخول ممثلين دروز إلى الكنيست.


ما نشهده اليوم هو نتيجة حتمية لتلك الجهود الطويلة، التي بدأت تؤتي ثمارها بأصوات خجولة تطالب بالانفصال، أو عبر منشورات تروّج لفتح معابر تكرّس التقسيم كممر داود  يحمل مشروع ممر داود جملة أهداف استراتيجية تسعى لها إسرائيل، أبرزها إعادة تشكيل سوريا بما يخدم مصالحها، عبر تفتيتها وإضعاف السلطة المركزية في دمشق، المشروع هو شريط جغرافي ضيق يمتد عبر قلب المشرق يبدأ من مرتفعات الجولان المحتلة في الجنوب الغربي ويمر بالمحافظات السورية الجنوبية المحاذية لإسرائيل والأردن، وهي القنيطرة ودرعا، ثم يتسع شرقًا عبر السويداء في جبل حوران ويدخل البادية السورية باتجاه معبر التنف الاستراتيجي على الحدود السورية العراقية الأردنية.


التطبيع: بوابة لمشاريع أخطر

إسرائيل لن تتوقف عند حدود سوريا، وستبقى الخنجر الطاعن في ظهر الأمّة، وما باقي الدول المطبّعة مع إسرائيل بمأمن وماهي إلا وجبات مؤجلة وأحداث لخطّة قادمة وما الشروع في تنفيذ التهديد بحقها إلا مسألة وقت هذا إن لم تتحرك لحماية قرارها وسيادتها وكما جاء في المثل لا يؤكل الفيل إلا على دفعات متتالية واحدة تلو الأخرى.


البادية.. صورة من الشجاعة

ورغم كل المؤامرات، كشفت الأحداث الأخيرة في السويداء عن شجاعة لافتة لدى أبناء البادية، الذين ضربوا مثالًا في الفداء والبسالة، وقدموا دماءهم نصرة للحقّ والمظلومين. لقد كان موقفهم رسالة رعب حقيقية لإسرائيل، التي لا تخاف سوى من التماسك العربي الإسلامي والمقاومة الواعية.


توصيات في وجه الفوضى
اليوم، تقع على الدولة السورية مسؤولية عاجلة:
1. فرض السيادة الكاملة على السويداء أسوة بباقي المحافظات، وعدم تركها لتُدار ذاتيًا أو تُستغل خارجيًا.
2. محاسبة المتورطين في الأحداث الأخيرة ومحاسبة كل من تجرّأ على الدم السوري دون تهاون.
3. معالجة الانقسامات الداخلية وفق حلول واقعية تحفظ الكرامة والحقوق، وتمنع التمييز المجتمعي أو الطائفي.
4. التحالف مع الدول النقيضة لإسرائيل، سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، من أجل تقوية الموقف التفاوضي والدفاع عن السيادة الوطنية.

في الختام
ما حصل في السويداء ليس معزولًا عن المشهد الإقليمي والدولي، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من محاولات إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم إسرائيل. غير أن إرادة الشعوب ما تزال حية، والمقاومة قائمة، والصحوة قادمة، ويوم تحرير الأقصى أقرب مما تظنّ إسرائيل وأعوانها.

شارك

مقالات ذات صلة