مشاركات سوريا
خلال الأيام الأخيرة الماضية وقف سوريون من مختلف المحافظات كتفًا إلى كتف في مواجهة حرائق اجتاحت جبال الساحل السوري والتهمت أكثر من 15 ألف هكتار وفق التصريحات الرسمية، في مشهد لم تقابله فرق الإطفاء والفرق التطوعية بالخوف بل بإرادة لم تلين ودعم وخوف كبير على البلد، وكل ما ذُكر ظهر في جهود رجال الدفاع المدني والمتطوعين، إضافة للمواطنين الذين حملوا الماء والغذاء والمساندة إلى الخطوط الأمامية دون تردد.
وكان تفاعل السوريين واضحاً، سواء عبر الدعم الميداني أو التضامن على الأرض أو في الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي وسط مشاعر الخوف على البلد، والحرص على حماية ما تبقى من غطائه الأخضر، ونركّز في هذا التقرير على الجهود الميدانية التي بُذلت لإخماد النيران، وعلى الصعوبات والمخاطر التي واجهها المشاركون في عمليات الإطفاء.
رغم صعوبة التضاريس، وخطورة النيران التي التهمت مساحات واسعة من غابات الساحل السوري، لم يتراجع المتطوعون ولا عناصر الإطفاء خطوة واحدة.، إذ قابل مشهد النار حشد من السوريين بإرادة تشبه الجبال التي يدافعون عنها حيث خاض رجال الدفاع المدني، والفرق التطوعية، وشباب من المجتمع المحلي، معركة غير متكافئة مع النيران بمشاهد وثقتها الصور والتسجيلات المصورة والتي اعتبرها الكثير شجاعة لا توصف، حيث كان دافعهم الأساسي روح الانتماء لهذه الأرض.
وحول ذلك أفاد المتطوع في الدفاع المدني حميد قطيني، لموقع “سطور” أنهم “في بعض المواقع كانوا يسمعون دوي انفجارات كل 10 دقائق تقريبًا، لا سيما في منطقة برج 45، والأودية المحيطة بقسطل معاف وجبل النصر والفرنلوق وزاهي وعطيرة ولكن ذلك لم يمنعهم من التقدم والاستمرار.
وأكد قطيني خلال حديثه، تسجيل الدفاع المدني أكثر من 20 إصابة بين المتطوعين تنوعت بين حالات إرهاق واختناق بسبب كثافة الدخان، وكسور نتيجة السقوط في المنحدرات، إلا أن التحدي الأخطر تمثّل في وجود مخلّفات الحرب، من ألغام وذخائر غير منفجرة منتشرة في العديد من الجبال والمناطق التي اشتعلت فيها الحرائق.
المعركة ضد النار لم تكن سورية فقط، إذ شاركت فرق من عدة دول بينها تركيا، العراق، الأردن، وقطر. كما ساهمت طائرات إطفاء سورية وعربية في مواجهة النيران من الجو، حيث كانت الطائرات القطرية فعالة في الوصول إلى مناطق يتعذر على الفرق الأرضية دخولها.
في الوقت نفسه يُعتبر أن نجاح فرق الإطفاء بإخماد الحرائق جاء بتكاتف جهود العناصر مع الفرق التطوعية أيضاً والعمل مستمر حتى السيطرة الكاملة، كما أدى المواطنون دورًا أساسيًا، من خلال تقديم المياه والغذاء والمساندة في الخطوط الأمامية دون خوف، وفق المتطوع.
ونستطيع القول إن المشهد في الساحل السوري خلال الأيام الماضية لم يكن فقط عن نار وغابات تحترق، بل عن تضامن شعبي ومؤسساتي رسم لوحة وطنية متكاملة، جسّدت المعنى الحقيقي للانتماء وروح العمل الجماعي في مواجهة الكوارث بالبلاد.
ومن المبادرات التي ظهرت في الأيام الأولى واستمرت لإخماد الحرائق الحراجية دعماً لفرق الإطفاء ساهم كل من فريق “بلدك أمانتك” و”ملهم التطوعي” ومنظمتي “هذه حياتي” و”الاستجابة الطارئة” وغيرهم من المساهمين وذلك بالتعاون مع وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث.
كما أطلقت محافظة اللاذقية في 8 تموز/ يوليو الحالي قبل انتهاء عمليات الإخماد، حملة “بأيدينا نحييها” بالتعاون مع وزارة الطوارئ لإعادة الغابات خضراء وترميم الجبال التي تعرضت للحرائق، ومساعدة الأهالي الذين تضررت منازلهم وأراضيهم.
أعلن الدفاع المدني السيطرة على الحرائق في 16 من تموز/ يوليو الحالي، وذلك بعد 12 يوماً كافح فيها رجال الإطفاء والإسعاف والإنقاذ من سوريا وتركيا والأردن والعراق وقطر وفرقٌ تطوعية ومؤسسات ووزارات سورية كانوا صفاً واحداً لحماية البيئة والثروة الحراجية في سوريا.
يجب الذكر أنه وراء كل مشهد نار مُخمدَة، يقف أشخاص لم يعرفوا النوم ولا الراحة، وبين الدخان والحرّ، قضى المتطوعون في خطوط النار الأمامية، متنقلين بين الجبال والأودية، ومع كل يوم يمر، كانت ساعات العمل تطول، والاستراحة تقصر، لتصل في بعض الحالات إلى أقل من ساعتين فقط خلال أكثر من 24 ساعة من الجهد المتواصل. ومع ذلك، استمرّوا بدافع لا يمكن تفسيره سوى أنه حب الوطن.
وقال متطوع الدفاع المدني حميد قطيني لـ”سطور”، إن بعض المتطوعين كانوا يعملون على مدار 24 ساعة، وبعضهم لفترات تتجاوز اليومين، مع استراحات لا تتعدى الساعتين فقط ولكننا استمرينا بدافع الانتماء، وبسبب شعورنا بالمسؤولية تجاه هذه الأرض.
صحيح أن النيران التهمت آلاف الأشجار، لكنها لم تنل من جذور الانتماء في قلوب السوريين. على مدى 12 يوماً من العمل المضني، كان الدفاع عن الأرض معركة وجود لا مجرد استجابة لحريق، بوجوه مغطاة بالدخان وقلوب نابضة بالإرادة، أثبت المتطوعون وعناصر الإطفاء وكل من ساهم في الميدان أن حب الوطن لا يُقاس بالكلام، بل يُترجم بالفعل.
واليوم، ومع بدء حملات إعادة التشجير ودعم المتضررين، تتجلى روح النهوض من تحت الرماد، ليقول الشعب السوري مرة أخرى من قلب النار تولد الحياة.