سياسة

سوريا بين واشنطن وتل أبيب: تباينات الحلفاء وصراع المصالح

يوليو 22, 2025

سوريا بين واشنطن وتل أبيب: تباينات الحلفاء وصراع المصالح

تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الحليفين الاستراتيجيين، تباينات ملحوظة في السياسات المتعلقة بالملف السوري، تظهر من خلال تصريحات مسؤولي الدولتين.. قد تكون هذه التباينات في المواقف ممتدة على فترة السنوات الـ 14 الماضية٬ لكنها بدت أكثر وضوحاً بعد سقوط نظام بشار الأسد٬ وتولي حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع. 

 

تعكس التصريحات وجود اختلافات في الأهداف والاستراتيجيات، حيث تسعى إسرائيل إلى الحفاظ على حالة من التفكك واللا استقرار في سوريا بحجة أن ذلك يضمن أمنها القومي، بينما تتبنى الولايات المتحدة نهجاً يركز على استقرار المنطقة ودعم حكومة مركزية في دمشق.

 

دأب المسؤولون الإسرائيليون على التأكيد على أهمية إبقاء سوريا دولة ضعيفة غير مسلحة٬ لمنع أي تهديدات محتملة لأمنهم القومي. ونقلت رويترز في تقرير منشور في شباط/ فبراير الماضي عن أربعة 4 مطلعة أن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا غير مركزية، وأن هذا المسار يتيح لروسيا الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في الساحل. وأضافت المصادر أن مسؤولين إسرائيليين أبلغوا واشنطن أن الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، الذين تدعمهم أنقرة، يشكلون تهديدًا لحدود إسرائيل٬ وقد توترت العلاقات الإسرائيلية مع تركيا في الفترة الأخير بسبب عدة ملفات من بينها ملف الهجوم على غزة٬ وأيد تلك التصريحات قصفُ إسرائيل قبل 3 أشهر 3 قواعد جوية في سوريا بما في ذلك مطار حماة ومطار T4  في حمص، حيث كانت تركيا تخطط لإقامة قواعد عسكرية في هذه المواقع٬ وقد طالت هذه الضربات مدرجات المطار في حماة، مما جعلها غير صالحة للاستخدام، في رسالة لتركيا بمنعها من إقامة قواعد هناك.

 

 

وفي ظل هذا الإصرار الإسرائيلي على عدم تدخل الأتراك يوضح سفير إسرائيل لدى روسيا، ألكسندر بن تسفي أن السلطات الإسرائيلية لا تُجري مناقشات مع روسيا بشأن مستقبل قواعدها العسكرية في سوريا، لأن هذا “شأن ثنائي بين موسكو ودمشق”!

 

 

كان موقف الولايات المتحدة من الثورة السورية ضد بشار الأسد إيجابياً منذ اندلاعها في آذار/ مارس 2011 إذ اتخذ مسؤولوها في الأمم المتحدة مواقف تدين نظام الأسد في وقت مبكر من عام 2011، بسبب رد النظام السوري العنيف على الاحتجاجات السلمية. ودعا الرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما، بشار الأسد إلى “قيادة التحول الديمقراطي أو التنحي”، مما عكس موقفًا داعمًا لتطلعات الشعب السوري نحو الحرية والإصلاح، كما فرضت الحكومة الأمريكية بعد شهر واحد من قيام الثورة عقوبات اقتصادية على نظام الأسد بهدف حرمانه من الموارد اللازمة لقمع الاحتجاجات. وتصاعدت مع الوقت شدة هذه العقوبات التي شملت تجميد أصول مسؤولين سوريين، بما في ذلك الأسد نفسه، وتقييد التجارة والاستثمارات مع سوريا في الوقت الذي كان فيه السياسيون الأمريكيون يقدمون دعمًا دبلوماسيًا للمعارضة السورية، مثل المجلس الوطني السوري٬ ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، من خلال الاعتراف به ممثلاً شرعياً للشعب السوري في بعض المراحل.

 

 

كما نفذت وكالة المخابرات المركزية (CIA) برنامج  تيمبر سيكامور (Timber Sycamore) السري منذ عام 2012، لتدريب وتسليح حوالي 10,000 مقاتل من المعارضة السورية المعتدلة، بتكلفة تقدر بحوالي مليار دولار سنويًا. ركز البرنامج على فصائل مثل حركة حزم وجبهة ثوار سوريا، وقدم أسلحة مثل صواريخ تاو المضادة للدبابات، لكن هذا الجموح الأمريكي تراجع مع ظهور وانتشار المنظمات المتطرفة٬ مما حول الجهود للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدلاً من إسقاط نظام الأسد.

 

 

كانت إسرائيل حينها في مكان آخر فقد انكفأ مسؤولوها للحديث عن تخوفاتهم من البديل والتأكيد على أن عدوا مسالما كبشار الأسد الذي كان يجلس في قصر المهاجرين حينها٬ قد يكون أفضل من التغيير المفتوح على جميع الاحتمالات.

 

حتى نشرت صحيفة التايمز البريطانية في أيار/ مايو 2013 عنواناً لافتاً في صفحتها الأولى “إسرائيل تقول: الأسد يجب أن يبقى”٬ وقد استفادت إسرائيل من تدهور الوضع السوري خصوصاً فيما يتعلق بمرجعيات الجماعات المسلحة لتضغط على الولايات المتحدة وتثنيها عن موقفها٬ ونجحت في ذلك خلال مراحل من عمر الثورة السورية٬ وتباينت قدرتها على التأثير بحسب الفترة وأولويات الإدارات الأمريكية المتعاقبة٬ لكنها استطاعت في مرحلة ترامب الأولى بمساعدة جهات خليجية من التوصل لإشراك الولايات المتحدة في اتفاق مع روسيا وإسرائيل والأردن والإمارات لإنهاء دعم فصائل المعارضة في جنوب سوريا (درعا والقنيطرة)، مما سمح لقوات نظام الأسد وحلفائه٬ باستعادة السيطرة على هذه المناطق مقابل ضمانات روسية بمنع نشاط الفصائل الإيرانية قرب هضبة الجولان. رأى بعض النشطاء السوريين بهذا خيبة أمل كبيرة وكتب محللون عن تفضيل الولايات المتحدة الانحياز لتهدئة مخاوف إسرائيل حليفتها في الإقليم، عن دعم التغيير.

 

مع كل ذلك لم تتخل الولايات المتحدة بكل إداراتها عن إبقاء العقوبات على نظام بشار الأسد في جميع المراحل (ماعدا تخفيفها قليلاً خلال فترة الزلازل الذي ضرب شمال وغرب سوريا عام 2023)٬ وشكل هذا الإصرار الأمريكي إحباطاً لدى بعض دول المنطقة التي كانت تسعى لإعادة دمج سوريا الأسد في محيطها بعد عمليات إعادة تطبيع وعودة علاقات دبلوماسية بشكل رسمي مع دمشق٬ لكن رغم سريان الدم في مسارات السياسة بقيت العقوبات الأمريكية تشكل جدار صدٍ منيعاً في وجه التعامل الاقتصادي مع نظام الأسد٬ بسبب وجود قانون قيصر الذي يحظر أي تعامل مالي مع مجموعة واسعة من المسؤولين والأفراد السوريين٬ ويقوض أي مشروع أو عملية إعادة بناء في ظل وجود الأسد.

 

وهذه العقوبات الصارمة حولت سوريا مع مرور السنوات إلى بقعة جغرافية تصدر المخدرات واللاجئين لدول العالم، ويبدو أن الدول الإقليمية بما فيها إسرائيل قد وجدت مع روسيا أن إعادة دمج الأسد عملية شبه مستحيلة فاستسلمت لفكرة تغييره٬ وهذا ما سهل معركة ردع العدوان التي قادتها الفصائل المسلحة المتجهة من الشمال للإطاحة برأس النظام في دمشق.


لكن ذلك لا يعني أن تلك الدول وفي مقدمتها إسرائيل٬ راضية عن الحاكم الجديد لسوريا خصوصاً مع تمسكه بعلاقات ممتازة مع الجارة تركيا٬ وتعمل إسرائيل اليوم من خلال تصريحات قادتها وتصرفاتهم على تشكيل حالة تضاد بين الأطراف السورية٬ وتخلق قلقاً لدى السلطة والموالين لها بسبب تعدياتها وتدخلاتها٬ واستقواءً لأطراف أخرى في سوريا تعتمد على الموقف الإسرائيلي لتثبيت تمردها٬ في هذه المرحلة المبكرة والقلقة من عمر إعادة بناء الدولة ولملة أطرافها..

 

 

وقد عكست الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا في الأسبوع الفائت٬ عدم وجود تنسيق بين الطرف الإسرائيلي ونظرائه الأمريكيين٬ وكما أسلفنا فإن السياسة الأمريكية المعلنة فيما يخص سوريا بعد سقوط نظام الأسد٬ هي تعزير التنمية وتأكيد الاستقرار من خلال دعم حكومة مركزية موحدة. وقد كرر المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، تأييده لحكومة أحمد الشرع، رافضًا وجود نظام فدرالي أو “إدارات مستقلة داخل الدولة”، وطلب من قوات سوريا الديمقراطية (SDF) التي يقودها الأكراد في الشمال الشرقي٬ الاندماج في جسم الدولة وجيشها. 

 

كما أعرب مسؤولون أمريكيون عن إحباطهم من تصرفات إسرائيل الإقليمية٬ فوفقًا لموقع أكسيوس، أشار 6 مسؤولين أمريكيين إلى دهشة البيت الأبيض وانزعاجه من الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، التي طالت مركز العاصمة دمشق٬ وبحسب ما ورد فقد اعتبر فريق الرئيس دونالد ترامب أن هذه الإجراءات تقوض الجهود الأمريكية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.


كما أعربت جهات عالمية في مقدمتها دول غربية فاعلة عن مخاوفها بشأن الأثر المزعزع للاستقرار لأفعال إسرائيل والتصعيد العسكري الذي قامت به في سوريا، معتبرةً أنه يُقوّض الاستقرار الإقليمي.

 

ويؤكد ما وصفه وزير الخارجية الأمريكي بـ “سوء الفهم ” الذي أدى إلى ضرب إسرائيل لجنوب سوريا وعاصمتها٬ غياب الاتساق بين واشنطن وتل أبيب، حيث تُعطي الولايات المتحدة الأولوية والدعم الدبلوماسي لحكومة مركزية، بينما تُفضل إسرائيل العمل العسكري للحفاظ على سوريا مجزأة٬ وتشير الاختلافات الحالية إلى عقبات كبيرة في تحقيق نهج موحد.

شارك