مدونات
ماما أسرعي
و نحن على الطّريق كعادتنا نجري بعض الحوارات في كل ما يخطر على عقل الصغير، فإذا به يقطع حديثنا: ماما أسرعي أسرعي مثلهم في هذا الطريق! (وأشار بإصبعه بإتجاه مخالف لطريقنا).
اندهشت من تحمّسه الشديد للسرعة الفائقة لسيارات مرّت بجانبنا كالطّيف، وهو مازال يُلحّ عليّ بأن أضغط البنزين لأواكب سرعة من حولي و أسير خلفهم بمضمار سباق خياليّ نسجه بإندفاع وانبهار.
تزاحمت الأفكار وتداخلت الإجابات، أأتبِع هواه أم هي المحجّة البيضاء؟
هنا تذكّرت قول الله تعالى: “إنّ سعيكم لشتى”. فالطرق كثيرة ومتشعبة، ولكن أخبرنا عنها الرّحيم وأيضًا رسوله الكريم، ومفصلة في الآيات التّالية بسورة الليل.
طريق التّقوى والتّصديق والتّسليم التّام لله، وطريقٌ آخر يذهب بسالكه لعاقبة تثقل كاهله يوم الحساب.
أمّا السعي فهو بسرعاتٍ متفاوتة، فهناك من يسعى و يسابق الزمن لقرب الله ومن يمشي مكبًّا على وجهه وبينهما نتقلب ونتلمس العفو والمغفرة.
توجّهت للصغير وسألته: هل تعرف أين يذهبون؟ هل طريقهم نفس طريقنا؟ هل سرعتهم تناسبنا؟
أسئلة تجوّلت بها في ذهني لأبحث لها عن إجابات مرضية:
كيف نمُد أعيننا لنتبع غيرنا الذي لا نعرف؟ لماذا نتسابق في مضمارٍ أبعد ما يكون عن المرجو منّا؟ و كيف أقارن سرعتي وسرعة من حولي دون معرفة محرّكه ودوافعه؟.
ما الهدف وإلى أين السبيل؟
إذن فلابد من تحديد الهدف لنضع خطة الطريق، ومن وضع الآخرة نُصب عينيه، تكشّفت أمامه الخُطا الراسخة. فالطّريق ليس بجديد وإنّما هو التّيه الذي سحبتنا إليه دنيا التّكاثر لنقضي أعمارًا هائمين على وجوهنا لتأتي لحظة الصدمة والإستفاقة.
فمن اختصه الله برحمته انتبه قبل قيامته ومن طُمس على قلبه خسر الدنيا و الآخرة.
تبادر إلى ذهني تلك القصّة الرمزيّة لشابٍ خرج للصلاة في المسجد فإذا به ينشغل ويلتهي أثناء سيره بالطّريق الواضح والمحدد وهو طريق المسجد ليجمع القطع الذهبيّة الملقاة على الأرض ليبتعد عن طريقه وهدفه ولا يصل للمسجد حتى أصابه الِهرم.
فرصة
عدت للصغير- فهذه فرصة يجب اقتناصها- نتعلم سويًا و نتأمل، قلت: نحن لا نعلم أين يذهبون ولا نعرف طريقهم، فكيف نسير خلفهم ونترك طريقنا المحدد أمامنا على الخريطة؟.
تابعت، أما السرعة، فهل حينما تلتقطني الكاميرا بغرامة، سيدفعونها عنّي من تسابقت معهم؟
نعم، لا تزر وازرة وزر أخرى، كلنا مسؤول فرادى يا صغيري أمام الله ولن يحمل أحد عنّا أخطاءنا و قراراتنا و تبعاتها.
تحملني الفتى بصبر و أومأ بإبتسامة تمام فهمت.