مدونات

“المدينة الإنسانية” في غزة.. ما الهدف من إنشائها؟!

يوليو 16, 2025

“المدينة الإنسانية” في غزة.. ما الهدف من إنشائها؟!

للكاتب: ظاهر صالح


في ظل تصاعد الضغوط لإدخال المزيد من المساعدات إلى غزة، يستفيق الفلسطينيون في القطاع على كابوس جديد يحمل اسمًا مضللًا: “المدينة الإنسانية”. فمنذ إعلان كاتس عن خطته، اتضحت طبيعتها والهدف “الإسرائيلي” منها؛ إذ إن من يدخل إلى هذه المدينة لن يخرج منها إلى القطاع، إنما إلى خارج حدوده، وهو ما يعني ترحيلًا مباشرًا وخنقًا لما تبقى من الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، ضمن استراتيجية ممنهجة تستهدف التصفية الصامتة.


في هذا السياق، كشف موقع “كاونتر بانش” عن تقرير صادم يسلط الضوء على خطة “إسرائيلية” وُصفت بأنها “الأكثر وقاحة” في مسار الإبادة الجماعية الحديثة، وتقضي بإنشاء ما يسمى “مدينة إنسانية” جنوب قطاع غزة. ولكن خلف هذا الاسم الخادع، تكمن نوايا مرعبة بترحيل مئات آلاف الفلسطينيين قسرًا إلى معسكر اعتقال مقنّع، لا يهدف إلى النجاة، بل إلى التمهيد لتطهير عرقي شامل.

ونقل التقرير، استنادًا إلى صحيفة “هآرتس”، أن وزير حرب كيان الاحتلال، كاتس، يقترح تهجير نحو 600 ألف فلسطيني إلى منطقة محاطة بالأسوار تُقام على أنقاض مدينة رفح جنوب قطاع غزة. وتُصنّف هذه المدينة بأنها “إنسانية”، لكن الخطة تتضمن فرزًا لسكان غزة، وفصل من يُشتبه بانتمائهم لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، تمهيدًا لترحيل المدنيين قسرًا إلى خارج القطاع، والاستيلاء على المناطق، ونزع السلاح من قطاع غزة، وتنفيذ خطة الهجرة التي سبق أن عرضها دونالد ترمب.

ووفقًا لكاتس أيضًا، يقود نتنياهو محاولات للبحث عن دول تستوعب الغزيين. ومع ذلك، كشف مصدر “إسرائيلي” أن تداعيات الخطة السياسية والقضائية والاقتصادية تجعل تنفيذها صعبًا، وذلك في رأي أكثر من مسؤول مطلع عليها. وأوضح المصدر نفسه أن متخذي قرار هذه الخطة أدركوا أن صعوبتها الرئيسية تكمن في عدم استعداد أي دولة من الدول التي توجهت إليها “إسرائيل” لاستيعاب سكان من غزة.

ويحذر “كاونتر بانش” من أن الهدف ليس إعادة توطين السكان، بل محو وجودهم تمامًا من الجغرافيا الفلسطينية، وهو ما يمثل امتدادًا مباشرًا لفكر صهيوني لطالما حلم بالسيطرة الكاملة على غزة دون فلسطينيين. أما من يُحشرون في تلك “المدينة”، فلن يُسمح لهم بمغادرتها ولا بالعودة إلى منازلهم المدمرة، وسيظلون محاصرين في منطقة عسكرية مغلقة تحت التهديد المستمر، إلى حين ترتيب خروجهم النهائي.

وتشير الخطة إلى انتهاك صارخ للقانون الدولي؛ فالترحيل القسري لسكان أرض محتلة يُعد جريمة حرب وتطهيرًا عرقيًا وفقًا لمواثيق الأمم المتحدة. ومع ذلك، يبدو أن كاتس، مدفوعًا بهوس “الحل النهائي”، لا ينوي التراجع، بل أعلن عن بدء البناء خلال فترة وقف إطلاق النار المتوقعة، في إشارة إلى تسريع محموم لفرض واقع جديد قبل أي تسوية محتملة.

يوجه التقرير اتهامًا مباشرًا إلى المجتمع الدولي، الذي لم يكتفِ بالصمت، بل شارك بفاعلية في المذبحة الجارية منذ 20 شهرًا، من خلال الدعم العسكري والغطاء الدبلوماسي. فقد سقط أكثر من 55 ألف شهيد فلسطيني، غالبيتهم من النساء والأطفال، تحت نيران القصف “الإسرائيلي” الذي استهدف المستشفيات والمخابز والمساجد والمدارس ومخيمات اللاجئين.


لم يكتفِ الاحتلال بالتدمير، بل استخدم التجويع كسلاح، منع وصول المساعدات، وهاجم القوافل الإغاثية، وأنشأ نقاط توزيع للمساعدات سرعان ما تحولت إلى كمائن مميتة. واستكمالًا لهذه الصورة القاتمة، أُنشئت “مؤسسة غزة الإنسانية” بدعم أمريكي، تهدف إلى تحويل الإغاثة إلى أداة للضغط والسيطرة، بعيدًا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات المستقلة.

ويتساءل التقرير بمرارة: كيف لحكومة قامت على أنقاض المحرقة أن تنشئ اليوم معسكر اعتقال جماعي؟ وكيف تستمر واشنطن في تزويدها بالسلاح، ومنع المساءلة في الأمم المتحدة، ومعاقبة كل من يجرؤ على قول الحقيقة، مثل المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي؟

أما في العالم العربي، فالوضع أشدّ مأساوية؛ أنظمة مثل السعودية ومصر والأردن تمضي قُدماً نحو التطبيع وعقد الصفقات، بينما يُترك الفلسطينيون فريسة للجوع والموت والتهجير. ويتساءل موقع “كاونتر بانش”: أين الغضب العربي؟ وأين الخطوط الحمراء التي لطالما لوّحت بها العواصم الرسمية؟

على الرغم من الصورة القاتمة، يضيء التقرير بارقة أمل تتمثل في اجتماع طارئ تعقده “مجموعة لاهاي” يومي 15 و16 يوليو في كولومبيا. يهدف هذا الاجتماع إلى دعم دعوى جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية. ويدعو الموقع جميع الدول التي تدّعي التزامها بالعدالة إلى الانضمام الفوري لهذه الدعوى، وممارسة ضغط حقيقي لوقف مخطط الاحتلال الكارثي.

كما يطالب الموقع أعضاء الكونغرس الأمريكي بإعلان موقف واضح وفوري، والكف عن الخطابات المزدوجة، وتمويل القنابل التي تهدم المدارس على رؤوس الأطفال والنساء، والتوقف عن الصمت إزاء ارتكاب أبشع المجازر على مرأى ومسمع من العالم. فإذا لم تنهض الأمة العربية والإسلامية والعالم الآن، فلن يكونوا مجرد متفرجين على الإبادة، بل شركاء فيها، فلا وقت للتردد، ولا مكان للحياد.

شارك

مقالات ذات صلة