مشاركات سوريا
مروة المنصور
يشار إلى أنَّ الحريق الذي طال الهكتارات من جبال اللاذقية التي كانت زينة بلادنا، وصحوة فجرها، ورئة محافظاتها، وبهجة ناظريها هو حريقٌ مفتعلٌ بأيدي مخرّبين استغلّوا حركة الرياح النّشطة التي تزامنت مع اندلاع النيران، ثمّ تفاقمها لتبتلع كلّ جذع شجرة يمرّ أمامها.
وهناك آخرون أوعزوا أنّها بفعل عابثٍ رمى سيجارته فيها، أو تركَ حفل شوائه باباً مفتوحاً وسبباً لنشوب النار من مكانٍ لآخر حتى بدأ الرماد يكتسحُ المشهد.
أدرك أنّه ليس بإمكاننا جميعاً كسوريين أن نلبسَ الخوذ لنكون مع فرق الإنقاذ التي رمت نفسها وسط النيران لتخمد لهيبها المتفاقم يوماً بعد يوم، فنقفُ أمام الشاشات متصلبين للخبر تلو الخبر وقلوبنا تنفطرُ حتى لحظة إعلان خبر انتهاء الكارثة والسيطرة عليها.
فهل نقعد مكتوفي الأيدي، أليس هناك درسٌ نحمله معنا لنستفادَ منه؟
يبدو أنّ ثقافتنا نحن الشعب السوري وبفعل مخلّفات الأسد التي كانت ترمي للهدم لا البناء، للحرق لا الشفاء، للتخلف لا للحضارة أورثتنا العقليّة التي لا نعتاد من خلالها إلى أن نفتح أعيننا على ملئها لندركَ أنّنا لا بدّ لنا من الولوج في فِكر التثقيف البيئيّ من أوسع أبوابه.
فإلى متى سنستمرّ في اللامبالاة تجاه حدائقنا وجبالنا وغاباتنا؟
إلى متى سنظلّ قاعدين وأيدينا لا ممدودة بل محسورة لا تزرع شجرة، ولا نخرج لحملات تشجير واهتمام وتكثيفٍ للغطاء الشجريّ والبيئيّ، خاصّة أنّ بلادنا تمتاز بمناخٍ مساعدٍ للزراعة؟
فلماذا لا تكثّف الوزارات جهودها لنشر الوعي البيئي والزراعيّ، ثمّ أينَ جهود الأنشطة الميدانيّة والمدنيّة التي بإمكانها أن تدّخر جهودها وتوجّه طاقات شبابها نحو حملات تساهم في زيادة البقع الخضراء دون أن نتصدّر الشاشات بعدد قليل من الشتل كما فعل بشار وأسماء الأسد! ولم نرَ طريقاً واحداً على امتداد الطرق بين المحافظات يتّصف بالخضرة فتشعر كأنّك تعبر الصحراء.
هذا لا يقفُ عند حدود الشوارع، بل بلغ الإهمال البيئي والزراعيّ للأراضي الزراعيّة، فأنا أعيشُ في الريف الغربيّ الجنوبيّ من دمشق، في بيئة لم تعرف طوال حياتها مهنة سوى الزراعة، ومع ذلك هُمّشت، وأُهملت، حتى عجز الفلاحون عن تغطية الهوّة وردمها التي خلّفها الإهمال دون أن يُساند الفلّاح، أو يُقدم حلٍّ لمشكلاته، حتى وصل الأمر بالنظام المخلوع إلى أن يحرم الفلّاح من مخصصات المازوت من أجل سقي الأرض في حال كان يمتلك ألواح طاقة شمسيّة يدفعها من جيبه وتكلّفه مبالغ باهظة لينقذ حقله، وعدا عن الرشاوى في حفر الآبار العشوائيّة، ممّا أفقد معظم البلدات الصغيرة مخزون مياهها الجوفيّة على حساب أناس آخرين.
هذا كلّه ولم نفصّل في أكبر مشكلاتنا وأعظمها، في ظلّ التغيرات المناخيّة العالميّة التي لا تذر حالاً على حالٍ.، ولم نتحدّث عن مخلّفات الحرب المزروعة في كلّ شبرٍ من أراضينا بكلّ برودٍ ولا مبالاة، وبكلّ رخصٍ بأرواح السوريين وبأراضيهم وأرزاقهم تلك التي لم نحسب إلى اليوم كم ستكلفنا بعد السيطرة على النار التي تعربشت على قمم الجبال وسفوحها، وبين ضيعِ الناس هناك الذين يشاهدون عن قرب كيف تمشي آخر آمالهم في المواسم وآخر لقم عيشهم التي كانوا عليها يقتاتون، وإليها يلجؤون.
أختمُ هذا السطور بقفلة التركيز ليس على من افتعل الحرائق، وكيف نشبت، ولماذا، لكن أشدّد وأندّد بأنّنا يجب أن نحرقَ فِكر الأسديين والبعثيين، وأن ننحى منحى الدول المتطوّرة، فنضع قوانين صارمة تجاه البيئة ومن يتعدّى عليها، ولا يحترم الأرضَ وزرعها وهواءها، وأن ننشر الوعي في مدارسنا، وطرقاتنا وجامعاتنا حول البيئة والحفاظ عليها، وأن يكون هناك منظمات ميدانيّة إنسانيّة ترعاها أيدٍ مسؤولة لا تكتفي بالصورة، فتيبَس النبتة بعد أسبوع.
بل لا بدّ من المتابعة، والمراقبة، والتشديد على أنّ ما يُقام به لا يقلّ أهمية وقيمةً عن الدفاعٍ على ثغور الوطن، فكلّ ما في هذا البلد مسؤوليتنا وعلى عاتقنا، وكلّ ما في هذه الأرض من دِمنا التي بُذلت لنعيش أحراراً مع الشجر والحجر، وكلّ ما في هذه الأرض من عرق جباه الذين رموا بأنفسهم وسط ساحات المعارك، وفي السجون، والذين عاشوا الفقر والتهجير والخيم والظلم، ومن رجال وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث الذين كبّروا قلوبنا، وحمّلونا مسؤولية أن نكون معهم في المنحى الآخر من العمل والبناء.
فأعيدوا ما حرقه الأسد المجرم… أعيدوا ما حرّقته النار في اللاذقية وإدلب وحماة، ولتكن بلادنا خضراء في الجوهر والبناء.