مشاركات سوريا

ذاكرة لا تموت.. وعدالة تنتظر

يوليو 13, 2025

ذاكرة لا تموت.. وعدالة تنتظر

– هبة الله غسان بدر 

 

 

تعود بنا الذكرى إلى ليالي تدمر الحالكة، واسترجاع مآسي آلاف المعتقلين.
عام 1966 كان موعداً لتأسيس السجن قرب آثار تدمر الشهيرة، خُصص عند تأسيسه للعسكريين دون غيرهم، لكن النظام حوّلهُ إلى معتقل لأبرز السياسيين والمثقفين والمعارضين لنظام الحكم، مورست فيه أقصى أنواع التعذيب.

 

 

اليوم الدامي

 

عام 1980، استيقظ سجن تدمر العسكري على أصوات الرصاص والصرخات، السجن الذي يُعد واحداً من أسوأ وأقذر سجون نظام الأسد البائد، والذي أرهب السوريين لعقود، مشكلاً علامة فارقة في حكم آل الأسد، لم يكن يوماً عادياً، بل شهد مجزرة مروّعة راح ضحيتها مئات وآلاف المعتقلين، على يد سرايا الدفاع، بدأ الجنود بإطلاق الرصاص لتُعلن بذلك عملية الإعدام الجماعية، في الساحة وداخل زنزاناتهم، استُخدمت الأسلحة الثقيلة، دون أي تفريق بين متهم وبريء، شاب وعجوز، أو حتى مريض، وذلك جاء انتقاماً بعد محاولة فاشلة لاغتيال حافظ الأسد، والتي وجّهت أصابع الاتهام إلى جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن شهادات ضباط ومنشقين، على رأسهم الطبيب مناف مصطفى الطيب في كتابه “كنت طبيباً في سجن تدمر”، أشارت إلى أن المتورط الحقيقي هو رفعت الأسد شقيق حافظ في الإجرام والفساد، ووفق تأكيدات دولية لمنظمات حقوق عالمية، تراوح عدد القتلى بين 500 إلى 1000 في أقل من ساعة دون أدنى ذرّة كرامة أو إنسانية ودون رحمة، لم ينجُ منهم سوى عدد قليل جداً، ليقوم نظام الأسد فيما بعد بإعدام وتصفية من تبقى حتى لا تُفضح أسرار الجريمة.


تم دفن الجثث في مقابر جماعية في الصحراء القريبة بمنطقة تُسمى وادي عويضة، على بعد عدة كيلومترات عن السجن، اختفت آثارهم، ولم يُسمح لعائلاتهم بمعرفة مصيرهم.

 


عمل النظام على التعتيم الكامل على أحداث المجزرة، ولم يُحاسب أحد من منفذيها.
مجزرة سجن تدمر ليست مجرد حدث عابر، بل حدث مأساوي له طابع إنساني وسياسي بالغ الحساسية،  وإحدى أكثر حقب التاريخ السوري دمويّةً، بقيت رغم مرور عقود طويلة حيّة في الذاكرة السوريّة، تمثل نقطة سوداء في تاريخ سوريا، وترمز إلى همجية النظام وأساليبه القمعية والوحشية.


تبقى العدالة الانتقالية حجر الأساس لأي مستقبل ممكن. إن التعامل مع مجزرة سجن تدمر، وفتح ملفات المغيبين قسراً والمفقودين، لم يعد مطلباً إنسانياً فقط، بل استحقاقاً وطنيّاً وسياسياً لا بد منه. لا يمكن بناء دولة القانون دون محاسبة على جرائم الأمس، ولا يمكن للمجتمع السوري أن ينهض دون كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا. وإن إحياء الذكرى ليس حزناً فقط، بل مقاومة النسيان، وبناء مستقبل يليق بسوريا، تُصان فيه الحريات والكرامات.

شارك