أدب

خالد تاجا.. الثائر الذي خسر موعد التحرير وربح خلود الذاكرة

يوليو 8, 2025

خالد تاجا.. الثائر الذي خسر موعد التحرير وربح خلود الذاكرة

-علي البرغوث

 
 

دمشق، نيسان/ أبريل 2012

حين وقف أحد أصدقاء خالد تاجا فوق نعشه في “تربة الزينبية” على سفوح قاسيون، ليرثيه بكلمات تختصر 70 عاماً من الرفقة والحنين: “منذ 70 عاماً ركضنا نحو الحاكورة ونهر يزيد.. وها أنت تعود لترقد في مسقط رأسك بسلام”، لم تكن تلك مجرد لحظة وداع لفنان رحل، بل لحظة انكسار رمزي لرجل سبقه رحيله إلى حلم ثورة لم تكتمل.

 

 

 

في ظهر الخميس، 5 نيسان/ أبريل 2012، كانت دمشق تحترق بهواجس الخوف، وأجهزة النظام الأمني تستنفر تحسباً لامتداد نيران الاحتجاجات نحو العاصمة. حتى جنازة خالد تاجا تحوّلت إلى هاجس أمني؛ فالنظام نشر عناصره عند مسجد الزهراء بحيّ المزة وأرسل الشبيحة لتأمين الطريق نحو المقبرة، مخافة أن تتحول الجنازة إلى مظاهرة.

 

 

 

ورغم الانقسام الذي بدأ يتسلل إلى الأوساط الفنية السورية، لم يكن أحد قادراً على تجاهل رحيل هذا الرجل. شائعاتٌ راجت بعد سقوط النظام ادّعت أن وفاته لم تكن طبيعية، قبل أن تنفي عائلته تلك الادعاءات بشكل قاطع.

 

 

 

أيقونة غائبة… لا تغيب

 

 

لم يكن خالد تاجا ممثلاً فحسب، بل حالة ثقافية وإنسانية متفرّدة. اتسعت شهرته دون أن يتراجع تواضعه، وامتدت موهبته دون أن تعيقه جسامة المسؤولية. اعتاد أن يقول: “إن كان الفن خالياً من أي مشروع، فلا أستطيع تسميته فناً”.

 

 

كان مدركاً لزوال كل شيء، فاستعد لوداعه مبكراً، وكتب على شاهد قبره: “مسيرتي حلم من الجنون كومضة، كشهاب، زرعت النور في قلب من رآها لحظة، ثم مضت”. منزل محمد خالد تاجا.

 

 

 

مشروع حياة لا يشيخ

 

 

وُلد الفنان الراحل في خمسينيات القرن الماضي في كنف “مسرح الحرية”، ليشارك لاحقاً في أفلام بارزة كـ”سائق الشاحنة” (1966) و”رجال تحت الشمس” (1969)، المقتبس عن رواية غسان كنفاني. وفي حقبة لاحقة، رسّخ حضوره في الدراما العربية عبر أعمال أيقونية مثل “التغريبة الفلسطينية” و”الزير سالم”، وصولاً إلى “أسرار المدينة”.

 

 

وفي عام 2004، اختارته مجلة تايم الأمريكية ضمن قائمة أفضل 50 ممثلاً في العالم، تقديراً لمسيرته الغنية.

 

 

 

إنسان لا يُختصر

 

 

بعيداً عن الأضواء، كان الرجل مغرماً بجمع التحف والقطع الأثرية من أسفاره، حتى ضاق بها منزله. وكان صاحب حسّ فكاهي لاذع، قادر على تحويل قسوة التجربة إلى ابتسامة ذكية، وفق روايات أصدقائه المقربين.

 

تحدى المرض كما لم يفعل أحد؛ خاض معركته مع السرطان منتصراً، وعاش سنواته الأخيرة برئة واحدة. في إحدى أكثر لحظاته شجاعة، خضع لعملية جراحية في ألمانيا دون تخدير كامل، مفضّلاً أن يراقب ما يجري على الشاشة أمامه بثبات نادر.

 

 

 

الإرث الحيّ

 

 

رحل خالد تاجا جسداً، لكنه لم يغادر وجدان السوريين والعرب. وفي ذكرى وفاته الأخيرة، اجتمع فنانون ومحبوّه في مقهى دمشقي لطالما اعتبره برلماناً ثقافياً، ليستعيدوا سيرة “أنطوني كوين العرب”، كما وصفه الشاعر الراحل محمود درويش، الذي ظلّ رمزا للفن المقاوم، والصدق الإنساني النبيل، إلى ما بعد الموت.

 

شارك

مقالات ذات صلة