سياسة
رحبت الحكومة السورية بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الصادر أمس الإثنين، بتحويل التجميد المؤقت للعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا إلى رفع دائم لها، في خطوة وصفت بأنها قد تمثل بداية انفتاح اقتصادي واسع بعد سنوات من العزلة والحصار. ويأتي هذا القرار في أعقاب حوالي 7 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر من العام الفائت 2024، وما تبعه من تغييرات جذرية على الساحة السياسية السورية.
يرى مراقبون أن هذه الخطوة تعكس تحوّلاً نوعياً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وتفتح المجال أمام عودة الاستثمارات الأجنبية وتدفق رؤوس الأموال بعد أعوام من الحرب والتدهور الاقتصادي. كما تأتي في سياق جهود الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع لإعادة بناء الاقتصاد السوري المنهك والانفتاح على محيطه الإقليمي والدولي.
في هذا السياق، اعتبر اقتصاديون ومواطنون سوريون أن رفع العقوبات من شأنه أن يحسن الواقع المعيشي ويدفع بعجلة إعادة الإعمار، معربين عن أملهم في أن تساهم هذه الخطوة في جذب الاستثمارات وعودة الكفاءات السورية المهاجرة.
يقول الباحث الاقتصادي حيان حبابة في حديث لـ “سطور”: “موضوع العقوبات هو بالفعل خطوة إيجابية وبداية انفتاح وانفراج اقتصادي. هذه الخطوة جاءت بعد عدة تحركات سياسية مهمة قامت بها الإدارة السورية الجديدة من خلال اتفاقياتها واتصالاتها الإقليمية والدولية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية التي كان لها دور بارز في التواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية”.
وأضاف حبابة: “اقتصادياً، إزالة العقوبات تمثل انفراجاً كبيراً، لا سيما بإعادة ربط البنك المركزي السوري بنظام (سويفت) المالي العالمي. هذا الأمر سيسمح بدخول الاستثمارات الخارجية من دول المنطقة والعالم، ويشجع المستثمرين السوريين الذين هاجروا خلال سنوات الحرب على إعادة أموالهم إلى الداخل السوري. كما أن سوريا ستصبح قادرة على استقطاب رؤوس أموال جديدة للاستثمار في قطاعات متعددة مثل الزراعة، الطاقة، السياحة، الصناعة، وحتى الثروة الحيوانية”.
وأشار إلى أن “العقوبات كانت تعيق عملية الإنتاج، حيث كانت تمنع استيراد المواد الأولية وقطع الغيار اللازمة للصناعة والطيران والنقل، وحتى المحروقات. كما كانت العقوبات تقيد حركة تصدير المنتجات السورية إلى الخارج، وهو ما أدى إلى غياب الاستثمارات وانعدام القدرة على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية”.
وأوضح حبابة أن “رفع العقوبات سيُحدث انتعاشاً اقتصادياً حقيقياً عبر فتح قنوات الاستيراد والتصدير مجدداً، مما سيؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج التي كانت تتضخم سابقاً بسبب الاعتماد على وسطاء يتولون عمليات الاستيراد والتصدير بأسعار مرتفعة جداً. في النهاية، من كان يتحمل هذه التكلفة هو المستهلك السوري”.
وتابع: “رفع العقوبات سيُحسن من حجم القطع الأجنبي المتوفر في البنك المركزي، نتيجة إعادة دمجه في النظام المالي العالمي. هذا سيؤدي إلى تعزيز احتياطي العملات الأجنبية ويدعم سعر صرف الليرة السورية. كذلك، عودة الإنتاج المحلي وزيادة الاستثمارات ستنعكس إيجاباً على الاقتصاد ككل”.
وأضاف: “الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية التي أُبرمت مؤخراً لم يكن من الممكن توقيعها لو أن العقوبات بقيت مفروضة. هذه الاتفاقيات ستُسرّع في إدخال السيولة الأجنبية إلى سوريا، ما يساهم في رفع قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي”.
وأكد أن بدء تفعيل الحوالات الدولية عبر نظام “سويفت” سيكون خطوة حاسمة ستدفع الكثير من التجار السوريين إلى إعادة استثماراتهم وتحويل حساباتهم المالية إلى الداخل السوري، مما سيُساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
من ناحية أخرى، أعرب بكور عن تفاؤله بإيجابية قرار رفع العقوبات الأمريكية، مشيراً إلى أن العقوبات كانت سبباً رئيسياً في معاناة الشعب السوري وتعطيل جهود إعادة الإعمار والتنمية، معرباً عن أمله بأن تشهد سوريا قريباً حركة واسعة في سوق الإعمار وتحسن ملموس في الاقتصاد المحلي.
من جانبه، قال حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية، في منشور على صفحته في “فيسبوك”، إنهم يرحبون بقرار الرئيس الأمريكي الأخير، مشيراً إلى أن المرسوم تضمن إلغاء الأساس القانوني للعديد من العقوبات السابقة، وشمل إنهاء 6 أوامر تنفيذية شكلت الإطار القانوني للعقوبات على النظام المالي السوري.
وأوضح حصرية أن المرسوم أنهى أيضاً حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بسوريا، التي فُرضت عام 2004 واستمرت بالتجديد السنوي حتى اليوم. واعتبر أن هذه الخطوة تمثل تحوّلاً جوهرياً نحو تخفيف القيود على تصدير السلع والخدمات والتقنيات إلى سوريا.
وأشار حصرية إلى أن المرسوم دعا وزارة التجارة الأمريكية إلى مراجعة ورفع القيود التي كانت تعرقل التعاملات المالية مع سوريا، مما سيساعد في تطوير الخدمات المصرفية السورية والعودة إلى نظام “سويفت” العالمي، كما كشف أن القرار شمل رفع العقوبات عن أكثر من 500 كيان سوري، من بينها مصرف سوريا المركزي.
من جهته، قال وزير المالية السوري محمد يسر برنية، في منشور على “لينكد إن”، إن القرار الأمريكي شمل رفع العقوبات عن أكثر من 5000 جهة سورية، مؤكداً أن المرسوم التنفيذي ألغى 5 أوامر تنفيذية رئيسية كانت تشكل الركيزة القانونية للعقوبات خلال السنوات الماضية.
ووجه برنية شكره لوزارة الخزانة الأمريكية على ما وصفه بالتعاون البنّاء، مشيراً إلى أن القرار يشمل توجيهات برفع القيود التي كانت تمنع تصدير المنتجات الأمريكية إلى سوريا، كما يتضمن طلباً بإعادة تقييم تصنيف سوريا دولة راعية للإرهاب. لكنه أكد أن القرار لا يشمل العقوبات المفروضة على بشار الأسد ومحيطه المباشر.
في السياق ذاته، أعرب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، عبر حسابه على منصة “إكس”، عن ترحيبه بإلغاء الجزء الأكبر من برنامج العقوبات المفروضة على سوريا، واصفاً القرار بأنه “نقطة تحوّل مهمة نحو مرحلة جديدة تتسم بالازدهار والانفتاح”.
وأكد الشيباني أن إزالة العقوبات يمهّد الطريق أمام بدء عملية إعادة الإعمار والتنمية وتهيئة الظروف لعودة المهجّرين السوريين إلى وطنهم بطريقة كريمة وآمنة.
وكان البيت الأبيض قد أعلن أن القرار التنفيذي الجديد الذي وقّعه الرئيس السابق دونالد ترامب يبقي على العقوبات المفروضة على بشار الأسد ومساعديه، بالإضافة إلى تنظيم “داعش” ووكلاء إيران ومنتهكي حقوق الإنسان.
وأوضح البيان أن القرار يسمح بتخفيف بعض ضوابط التصدير ومنح إعفاءات محددة للمساعدات الأجنبية الموجهة إلى سوريا، كما يتضمن توجيهاً لوزارة الخارجية الأمريكية لدراسة آليات لتخفيف العقوبات الأممية دعماً لاستقرار سوريا.
وأشار البيت الأبيض إلى أن الرئيس ترامب دعا الحكومة السورية إلى اتخاذ خطوات ملموسة نحو التطبيع مع إسرائيل، كما طالبها بتحمّل مسؤولية إدارة مراكز احتجاز عناصر “داعش”.
وقال ترامب: “الولايات المتحدة ملتزمة بدعم سوريا مستقرة وموحدة تعيش في سلام مع نفسها وجيرانها”، مضيفاً أن “سوريا الموحدة، التي لا توفر ملاذاً آمناً للمنظمات الإرهابية وتضمن أمن أقلياتها، ستسهم في تعزيز أمن وازدهار المنطقة”.
وأشاد ترامب بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية الجديدة، لكنه شدد على ضرورة اتخاذ خطوات إضافية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.
وأكدت وزارة الخزانة الأمريكية أنها بدأت بالفعل تنفيذ القرار التنفيذي التاريخي، مشيرة إلى أنه تم رفع العقوبات عن 518 فرداً وكياناً سورياً، وهو ما من شأنه أن يمهّد الطريق أمام عودة التجارة والاستثمار مع سوريا.
كما صرّح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن بلاده ستدرس إمكانية “التعليق الكامل المحتمل لقانون قيصر”، مؤكداً أن “العقوبات الأمريكية لن تكون عقبة أمام مستقبل سوريا”، معتبراً أن “رفع العقوبات يمثّل بداية فصل جديد للشعب السوري”.
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً رفع العقوبات عن الفرقة الأولى والفرقة الرابعة في الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني، مؤكدة أن العقوبات الحالية تستهدف فقط من يرتكب ممارسات تتعارض مع استقرار سوريا والمنطقة.