بعد انتهاء نحو 14 عاماً من الحرب وأكثر من 5 عقود من الفساد والإهمال تتطلع سوريا اليوم لاستعادة مكانتها إحدى أبرز وجهات السياحة في محيطها الإقليمي.
لا يخفى على أحد ما تمتلكه سوريا من مقومات استثنائية، طبيعة خلابة وتنوع تضاريس وآثار من أقدم الحضارات الإنسانية، إضافة إلى شعب طيب مضياف وثقافة منفتحة ترحب بجميع الزوار.
لطالما زخرت أسواق دمشق وحلب القديمة بالسائحين، وجذبت آثار تدمر وبصرى وقلاع الساحل وحمص والمواقع الأثرية في إدلب كل محب للتاريخ، حتى لغير المعنيين بالآثار والحضارات القديمة، تقدّم سوريا تجربة سياحية متكاملة لا توفرها الكثير من الوجهات الأخرى، خاصة للقادمين من دول الخليج العربي، كاللغة المشتركة، والتقارب الثقافي الكبير، والضيافة السورية المعروفة، والتكلفة المادية المقبولة، ما تجعل من سوريا وجهة مثالية للسياحة العائلية.
بالطبع كان لسنوات الحرب الطويلة والتدهور الأمني الشديد أثر بالغ على قطاع السياحة السوري، فمع دمار نصف البنى التحتية في البلاد، وفق تقديرات الأمم المتحدة، وتعرض المواقع الأثرية للنهب والسلب والقصف، وتراجع جميع الخدمات وارتفاع تكاليف المعيشة والزيارة، وتكرار حوادث اعتقال السواح والزائرين في عهد النظام السابق، لم تعد سوريا من وجهات السياحة الموصى بها، وهذا شكل تحدياً ما زال مستمراً إلى الآن.
اليوم، وبعد أكثر من نصف عام على سقوط نظام الأسد في سوريا، تقف سوريا أمام اختبار هام: هل يمكن أن تعود إلى خارطة السياحة الإقليمية والعالمية؟، الإجابة، رغم تعقيدها، ترتبط بمجموعة من العوامل المتشابكة، في مقدمتها الاستقرار الأمني، والانفتاح الاقتصادي، والإرادة السياسية، فالسياحة لا تُبنى على التراث والتاريخ وحده، بل على الأمان، وسهولة الوصول، والأهم: ثقة الزائر.
في الأشهر الأخيرة، ظهرت مؤشرات محدودة على محاولات إحياء القطاع السياحي، عبر فتح بعض المواقع أمام الزوار الأجانب، وتنظيم فعاليات محلية، والمشاركة في معارض سياحية دولية، كما بدأت بعض الدول بتخفيف قيود السفر إلى سوريا ضمن برامج محدودة، لكن رغم رمزية هذه التحركات، فهي لا ترقى بعد إلى مستوى “عودة حقيقية” للقطاع السياحي.
فمن دون أمن مستدام، وإصلاحات اقتصادية جذرية، ستبقى السياحة السورية حبيسة الطابع الرمزي والمحلي، ولن تتمكن، رغم تميزها، من منافسة دول الجوار التي تستثمر بذكاء في صناعة السياحة.
إعادة سوريا إلى خارطة السياحة ليست ترفًا ولا قضية هامشية تُؤجل بدعوى “وجود أولويات أهم”، بل ضرورة حيوية. فالسياحة ليست مجرد مورد اقتصادي يساعد على تحسين الدخل المحلي، بل أداة لإعادة دمج سوريا في محيطها العربي والدولي، ولترميم صورتها في الخارج.
هذه العودة لا يمكن أن تُبنى على أنقاض القوانين القديمة، ولا على استنساخ التجربة السابقة التي عرفناها قبل قيام الثورة. بل تحتاج بيئة جديدة تستوعب الزائر وتحترمه، وإرادة سياسية ترى في السياحة والاحتفاء بالثقافة والتراث وسيلة أساسية للتعافي والنهوض.