تكنولوجيا

إعادة إعمار سوريا وسلسلة الكتل (Blockchain): هل يمكن توثيق ملكية السوريين بلا أوراق؟

يوليو 3, 2025

إعادة إعمار سوريا وسلسلة الكتل (Blockchain): هل يمكن توثيق ملكية السوريين بلا أوراق؟

بعد سنوات الحرب الطويلة في سوريا، فُقدت ملايين الوثائق العقارية، وتعرّضت سجلات الملكية للحرق والإتلاف أو التلاعب. وفي ظل الحاجة لإعادة الإعمار وضمان حقوق اللاجئين والنازحين، يبرز سؤال يستحق الوقوف عنده: هل يمكن لتقنية سلسلة الكتل أن تحل هذه المعضلة وتوفّر بديلاً رقمياً آمناً لتوثيق الملكيات؟

 

بدايةً، لا يدعي المقال أن هذه التقنية هي حل مناسب بشكل قطعي، إنما يعرض الفكرة في سياق عصف ذهني مع أصحاب الاختصاص وصنّاع القرار لتبادل الآراء ونقاشها بما يخدم الغاية المرجوة منها، كما أنه لا يتناول التقنية من زاوية تخصصية مفصلّة، حيث إنه يفترض أن جمهور القراءة هم من ذوي الخبرة والاطلاع العميق على هذه التقنيات. لكن باختصار وكتوطئة بسيطة، تقنية Blockchain أو سلسلة الكتل هي آلية متقدمة لقواعد البيانات تسمح بمشاركة المعلومات بشكل شفاف داخل شبكة أعمال.

 

 

تخزن سلسلة الكتل البيانات في كتل مرتبطة ببعضها في سلسلة وتعد البيانات متسقة زمنياً لأنه لا يمكنك تعديل السلسلة من دون توافق من الشبكة. ونتيجة لذلك، يمكن استخدام تقنية سلسلة الكتل لإنشاء سجل حسابات غير قابل للتلاعب لتتبع الطلبات والمدفوعات والحسابات والمعاملات الأخرى، حيث يحتوي النظام على آليات مدمجة تمنع إدخالات المعاملات غير المصرح بها وتُنشئ تناسقاً في طريقة العرض المشتركة لهذه المعاملات.

 

 

على سبيل المثال، فكّر في بيع عقار. بمجرد تبادل الأموال، يتم نقل ملكية العقار إلى المشتري. بشكل فردي، يمكن لكل من المشتري والبائع تسجيل المعاملات النقدية، ولكن لا يمكن الوثوق بأي من المصدرين. يمكن للبائع أن يدعي بسهولة أنه لم يستلم الأموال رغم حصوله عليها، كما يمكن للمشتري أن يجادل بالمثل بأنه قد دفع الأموال حتى لو لم يكن قد دفعها.

 

 

لتجنب المشكلات القانونية المحتملة، يجب على طرف ثالث موثوق به الإشراف على المعاملات والتحقق من صحتها. لا يؤدي وجود هذه السلطة المركزية إلى تعقيد المعاملة فحسب، بل ينشئ كذلك نقطة ثغرة أمنية: إذا تم تلف الوثائق أو اختراق قاعدة البيانات المركزية، فقد يعاني كلا الطرفين. تُنشئ سلسلة الكتل سجل حسابات واحداً لكل من المشتري والبائع، ويجب أن تتم الموافقة على جميع المعاملات من قبل الطرفين ويتم تحديثها تلقائياً في سجل حسابات كل طرف في الوقت الفعلي. فأي فساد في المعاملات السابقة سيفسد سجل الحسابات بأكمله.

 

 

وبالتركيز على حالتنا السورية، مع وجود بنى تحتية تالفة، حصل فيها فقدان أو تزوير أو أتلاف واسع لوثائق الملكية الخاصة، وغاب كثير من المواطنين عن مناطق سكنهم الأصلية أو غُيبوا قصراً، إضافة إلى محاولات التغيير الديمغرافي التي كانت تجري طوال السنين السابقة من قبل النظام البائد. هنا تبرز أهمية التحول الرقمي في التخلي تماماً عن نظام الوثائق الورقية والسجلات التي يمكن التلاعب بها وتدميرها بسهولة والانتقال مباشرة على أرضية نظيفة إلى تقنيات رقمية موثوقة ولها مصداقية لدى جميع الأطراف، بما يضمن حقوق الجميع عبر الزمن.

 

 

بالإمكان في هذا السياق (وهذا مجرد مقترح للنقاش والتفكير المعمق) إنشاء سجل وطني رقمي للعقارات مبني على سلسة الكتلة، تُسجّل فيه ملكية كل عقار استناداً إلى وثائق رقمية، إفادات شهود، صور الأقمار الصناعية، وغيرها من السجلات المتوفرة (من البلديات، الأقمار الصناعية، شهادات الجوار…)، بعد أن تصدر الحكومة السورية الجديدة تشريعاً يعترف بسجل الملكيات على السلسلة واعتمادها كوثيقة قانونية رسمية في المؤسسات والدوائر الحكومية في جميع التعاملات المحلية. هذا بالإضافة إلى أن إشراك جهات محلية (بلديات، لجان أحياء) ودولية (هيئات أممية أو محاكم محايدة) في المصادقة على البيانات المدخلة للسجل يساهم في تعزيز الشفافية ومنع احتكار الحقيقة دون غيرها.

 

 

لعله من المفيد أن نلقي نظرة على تجارب دول أخرى سبقت في هذا المجال، بعضها واجه ظروفاً تشبه جزئياً ما تواجهه سوريا من تحديات تتعلق بالثقة في السجلات العقارية والفساد الإداري والبنية التحتية الرقمية الضعيفة، ومنها تجربة جورجيا التي تُعد إحدى أوائل الدول في استخدام هذه التقنية لتسجيل الملكيات العقارية. ففي عام 2016، وقّعت الحكومة الجورجية شراكة مع إحدى الشركات الرائدة عالمياً لتطوير نظام رقمي شفاف يسجل عمليات نقل الملكية والعقود العقارية. 

 

 

أتى ذلك بعد فترة من الاضطرابات السياسية حيث كانت سجلات الملكية عرضة للفساد وفقدان الثقة. فأصبح من خلال هذا النظام الجديد، من الممكن لأي مواطن أو مستثمر أن يتحقق من الملكية وتاريخ المعاملات العقارية بدقة وسرعة عبر الإنترنت، مع ضمان أن السجل لا يمكن تغييره دون أثر، ما جعل هذا النظام يثبت جدواه في تقليص الإجراءات البيروقراطية، وزيادة ثقة المستثمرين في السوق العقاري المحلي في جورجيا، كما أصبح مثالاً يُحتذى به في دول ما بعد النزاع.

 

و ختاماً في عصر ما بعد الورق، يمكن لسلسلة الكتل أن تُصبح أداة السوريين لاستعادة حقوقهم، وإرساء حجر الأساس لبناء بلد يُحترم فيه الحق والملكية والعدالة، قد تكون الورقة قد احترقت، لكن الحق لا يُمحى.

شارك