أدب
عبد الكريم أنيس/ كاتب سوري مقيم في فرنسا
لم أستطع يوماً إخفاء مشاعر الغضب التي تترافق مع مشاعر التوق والأماني ليوم أشعر فيه بمشاعر تشبه تلك التي تذوقها الثوار الفرنسيون يوم سقط الباستيل 1789، والتي وافق إعلانه يوم 14 تموز/ يوليو 1880 يوم العيد الوطني في فرنسا أثناء الجمهورية الثالثة.
لذلك اليوم دلالة كبرى، كونه شكّل منعطفاً في التاريخ، خصوصاً لأنني أستلم رسائل تذكرني أنه غيّر وجه أوروبا وتاريخ العالم، مع بداية سقوط الملكيات، التي تحالفت لاحقاً ضمن ما يُسمى الثورة المضادة التي آذت الثورة الشعبية التي خرجت عن السيطرة، وأعادت الملكية بعد فترة عصيبة من الوقوع في دوامة العنف التي طحنت فرنسا والفرنسيين.
لكن في النهاية، والأمور بخواتيمها، أعلنت الثورة انتصارها النهائي ضمن أحداث التاريخ، ولو بعد 10 عقود عجاف. مشاعر التوق والتمنيات لتذوق فرحة كتلك الفرحة معلومة ومفهومة وشائعة عند كثيرين لحدث جلل سياسياً واجتماعياً وتاريخياً، لكن لم تنتابني مشاعر الحنق والغضب؟
سبب ذلك وجود تيار من السوريين، على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والهوياتية، خصوصاً الذين كانوا يؤمنون بضرورة التغيير في سوريا، بعد أن دخلت عصابة الأسد وحلفاؤها طريق اللاعودة عن طريق ممارسة عضوية لعنف الدولة ممثلة بالجيش وأجهزة الأمن والشبيّحة ضد المواطنين، علماً أن المتظاهرين مدنيون ولحق بهم عدد محدود من العسكريين الذين أعلنوا انشقاقهم عن جيش عصابة الأسد بعد أشهر من اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير في سوريا منذ مطلع 2011.
أولئك الذين طالما شبّهوا الثورة السورية بالثورة الفرنسية، ينتمون إلى شريحة فكرية استعلائية نخبوية لم توفر جهداً في شيطنة مرحلة التسليح على مراحل تدرج الثورة السورية، والتي وصلت إلى وضعية الدفاع المشروع عن النفس ضد سلاح الحكومة، التي استخدمت الأسلحة المشروعة وغير المشروعة لمواجهة الاحتجاجات ضدها، والتي باتت بيد الأقلية الحاكمة من المنتفعة، توجه السلاح حسبما تستدعي مصلحتها وضد من تستشعر أنه يهدد بقاءها.
مجدداً، لماذا يثير هذا التاريخ المحفور على صفحات التاريخ مشاعر الغضب عندي؟ لأن النخب السورية الفكرية من كتاب وصحفيين، وأصحاب الياقات البيضاء، وجمهور منظمات المجتمع المدني الملتزم بشعارات الحوكمة وحقوق الإنسان، كان يتغنى بهذه المناسبة وينسج عنها الأشعار، ويكتب عنها المقالات ويكاد يغني لها الأغنيات، رغم أنهم من العينة التي لا تتسامح مع رفع السلاح ضد الدولة! وبإمكانهم استخلاص آلاف التبريرات، المحقة وغير المحقة، لإظهار كل رافع سلاح على أنه مشروع إرهابي كبير في سلم الأحداث، كما أنهم من رافضي العنف في التغيير السياسي المنشود!
سوريون يرفضون العنف ويرفضون التسليح، ويحتفلون سنوياً، باليوم الوطني الفرنسي الذي وافق سقوط قصر الباستيل الذي كان رمزاً أكثر مما كان سجناً، إذ إنه لم يكن يضم سوى بضعة سجناء جنائيين، ليسوا أكثر من عدد أصابع اليدين، عندما اقتحمه الثوار وأخلوا سبيلهم! حاصر الثوار القصر وسيطروا عليه بحثاً عن أسلحة يستخدمونها ضد جيش العائلة الملكية ورجالات بلاطها من النبلاء والمتحالفين معهم.
رغم كونه كان خالياً في تلك الفترة من المعتقلين السياسيين، فقد رافق إسقاطه عنف وقتل وتجويع وفوضى استمرت سنوات طويلة دامية بكل ما للكلمة من معنى. وساد انفلات أمني، وخرجت الأمور عن السيطرة في الشارع وفي مجالات الحياة اليومية، وعانى الناس من أوضاع اقتصادية خانقة وانتشرت الفاقة والموت بسبب الفقر والجوع وانعدام لأدنى الخدمات الأساسية.
يتفهم بعض المثقفين السوريين كل تلك التفاصيل، لكنهم لا يقبلون أن يطابق ذلك الوضع السوري الذي يجدونه في حالة أسوأ! متعامين عن 22 ألفاً من المقطوعة رؤوسهم، من مختلف الخلفيات البنيوية من الشعب والطبقة الحاكمة والمتعاونين معها، على حد سواء، على منصة المقصلة التي تم تفصيلها خصيصاً لتواكب الثورة الحمراء في التخلص من بقايا العصر البائد.
كان المثقف التنويري السوري وما يزال، يحشر في ذهنه صوراً نمطية نرجسية ورومانسية غير واقعية، رسمها في مخيلته عن ثورة فرنسية نظيفة، لذا نراه يدعو لتقليدها من بعيد لأنه قرأها فقط نظيفة لطيفة في الكتب، تفوح منها رائحة الورق المحببة وتغيب عنها رائحة الدم والبارود ورائحة صديد الأجساد التي تعفنت جراء المعارك بين الأطراف، متسلحاً بشعارات جميلة وحالمة، طامحاً للتغيير عبر الشعارات السلمية لتحقيق بعض مطالب الشعب وبسط إرادته فوق الإرادة الملكية والدينية.
ثم يحصر رؤيته هذه في لوحة أيقونية عن الفرنسية ماريان عنوانها “الحرية تقود الشعب” رسمها الفنان أوجين دولاكروا عام 1830، إذ تضع تلك الفرنسية الجميلة على رأسها قلنسوة حمراء، وتحمل بيد علم الجمهورية بألوانه الثلاثة، وبالأخرى بندقية (تغيب تماماً عن المشهد في ذهنية المثقف السوري العضوي)، قائدة الجماهير باتجاه طريق الحرية، كاشفة عن صدرها كأنها ترضع الحرية، لكن بدون ثمن، مجرد تحليلات وتوقعات ومطالبات مقلمة الأظافر، وبعض الوقفات الاحتجاجية، ضد سلطة دموية لا توازيها سلطة في توغلها بالإجرام سوى نفسها.
هل أدعو للعنف إذن! أو لحمل السلاح والوقوف بوجه الأنظمة المجرمة؟ بالتأكيد سيكون هذا الادعاء مجانباً لغرض ما أكتب لأجله، فالغاية غياب درجة الوعي عن النخب في قراءة التاريخ، واستحضارها الفاشل لمقاربة أشراطه ومطابقتها على الحاضر.
كما أن عدم تقبل مفهوم شرعية الدفاع عن الذات حين يستلزم الأمر، والنزوع للغطرسة البلاغية والمهارات الكتابية الاستعراضية لرفض متطلبات الواقع البديهية، والتعامي عن حال بيئة الثورات قبل انتصار أهدافها، بل وحتى بعد فراغها من السيطرة وما يترافق مع ذلك من اضطرابات اجتماعية حادة على الأصعدة كافة، والاكتفاء بحالة رسم الوهم في مخيال الذاكرة الشعبية، وكأن الثورة حادثة نقية بسيطة يمكن اختصار ظروفها وأحداثها بقياسات مدروسة ومضبوطة بكتيب استخدام، ومعطيات واحدة، وليست حدثاً انفجارياً طارئاً يُحدث زلزالاً لا يمكن التنبؤ به أو السيطرة على ما قد يقود إليه من كوارث وتبعات.
لم تمر الأسابيع الأخيرة لعام 2024 وتحديداً في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، ومنذ بداية عملية “ردع العدوان” التي بدأت بتاريخ 27 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، شهد السوريون والعالم بأسره لحظات تاريخية تاق لها ملايين السوريين الذين شردوا في بقاع الأرض هرباً أو خوفاً، بحثاً وطمعاً بملجأ آمن.
وبعد انهيار متسارع في بنية جيش الأسد الذي لم يُطلق رصاصة واحدة تجاه الأراضي المحتلة منذ 40 عاماً، ووجه كل سلاحه ضد شعبه الذي دفع تكاليف تسليحه، وبعد ضربات موجعة تلقاها حلفاؤه ومليشياتهم نتيجة ظروف دولية منها تورط روسيا في غزوها لأوكرانيا، وإقليمية محيطة بعد تداعيات السابع من تشرين الأول، بعد اختراقهم من قبل قوات الاحتلال الصهيونية، تهاوى خط السلطة الأسدية من جيش وقوات أمن أمام القوات المتحالفة القادمة من إدلب وأسقط القادمون ما بقي من منظومة الدفاعات والتحصينات لقوات الأسد، بدءاً من عاصمة الشمال والاقتصاد حلب، وتباعاً لباقي المدن السورية وصولاً إلى دمشق، كمن يسقط أحجاراً الدومينو.
وعلى إثرها سيطر السوريون على معتقل صيدنايا الرهيب، وتذوقوا طعم الفرحة وطعم الحرية وطعم التخلص من انتظار وعود إسقاط نظام الأسد عبر التوازنات الدولية، أو عن طريق المؤتمرات والمفاوضات، التي أثبتت عدم جدواها، وانعدام تأثيرها، حتى بات السوريون يستخدمونها كإحدى النكات الغبية السمجة للتدليل على عبثية فكرة ما، في ظل أوضاع مبكية وقاهرة.
يمكن توصيف ليلة فتح الأبواب على معتقلي مسلخ صيدنايا على أنها ميلاد للمعتقلين وللسوريين على حد سواء. وتذوقتُ، كحال ملايين، مشاعر لا يمكن وصفها من السعادة والفرح بانكسار أعتى وأوقح وأجبن نظام عسكري دموي عربي، ترك سوريا مدمرة خاوية على عروشها من شبابها وأهلها، وترك من تبقى فيها في حالة مزرية من الإفقار الممنهج، وفتح فيها المقابر الجماعية، بما لا يمكن مقارنته مع من سواه من المجرمين في العصر الحديث.
هنا تطل المقارنة المفارقة مع سقوط الباستيل، مقارنة باهتة فلا يمكن الحديث عن يوم واحد من مشاهد الرعب والتعذيب حتى الموت في مسلخ صيدنايا. غدا معتقل آل الوحش -الاسم الحقيقي لعائلة المجرم الأسد- رمزاً دموياً سيظل محفوراً في كتب تاريخ العار والرعب مع أفظع سجلات المجرمين وعتاة السفاحين.
لا يمكن تناسي أو تغافل أن آل الوحش كانوا قد اشتركوا سابقاً في مسلخ آخر، على عهد المجرم الأكبر حافظ الأسد، استمر باستقبال معتقليه حتى انتهاء الألفية الثانية. كان موقعه سجن تدمر في بقعة صحراوية يكفي ذكره ليسبب حالات من الرعب. كُتبت بعض مشاهد أحداثه ضمن رواية تعد من أشد روايات السجون فتكاً بقرائها “القوقعة: يوميات متلصص” للروائي والسجين السابق مصطفى خليفة.
شهد ذلك المعتقل الصحراوي آلافاً من عمليات الإعدام الميدانية بأمر من عم العائلة المجرم رفعت الأسد وسرايا دفاعه، صاحبة السمعة الدموية بمجزرة حماة وبعض أحياء حلب وجسر الشغور. كما كانت هناك أوامر تنفيذية للمحاكمات الصورية التي كانت مدتها دقائق معدودة ونتائجها محتومة سلفاً، ممهورة بخاتم وزير دفاع العصابة المجرم مصطفى طلاس، عراب نقل السلطة بين الأب المؤسس لمدرسة الإجرام وابنه المجرم الوريث بشار الأسد.
في حقيقة الأمر، كان السوريون يظنون أن غياب وسائل الاتصالات ومنصات التواصل الاجتماعية سابقاً مانع لملاحقة المجرمين وغياب العدالة، لغياب الشاهد وقلة المحققين، لكن نجد أن استمرارية تعرض سوريا والسوريين للبقاء تحت رحمة نظامي الأسد الأب والابن الوريث، وتجدد استمرارية بقاء المسالخ البشرية تحت مسميات المعتقلات كـ”تدمر” و”صيدنايا” كان مرتبطاً بتحالفات ومعاهدات مع حكومات دول تسمى دول الحريات والديمقراطية، وكان الأب والابن ينفذان تعليمات وأوامر قذرة ترسل إليهما، أي يقومان بما يسمى بالعامية “خزمتجي”، وهذا لا يبرؤهما من الجريمة، فقد كانا أداة الفعل ويمكن اعتبارهما قفازات يتم استخدامها لخرق القوانين والأنظمة التي تراعي حقوق الإنسان، وقد سمعنا عن حالات الترحيل إلى بلد قمعي ذي سلطة إجرامية مثل سوريا ليُحقق مع مواطنين يحملون جنسيات غربية وعربية، ويُمارس عليهم أبشع ما يمكن وصفه من انتهاكات وتعديات لا تليق ببشر، وخارج أي نطاق للمحاسبة. من هؤلاء نذكر ماهر عرار، عبدالله المالكي، هلال عبد الرزاق، كريستيان باكستر وغيرهم.
يكفي أن نعرف أن دولة ديمقراطية مثل الولايات المتحدة ذات الشعارات البراقة، كالحرية وحقوق الإنسان، استحدثت معتقل غوانتانامو خارج نطاق أراضيها، على الأراضي الكوبية، التي أجرتها حكومتها الحليفة آنذاك الأرض مقابل ألفي دولار كبادرة تقدير من رئيس كوبا على مساعدته في حرب التحرير. لكن الثوار الكوبين رفضوا فكرة تأجير الأرض، واستمر الأمريكيون بدفع المبلغ المعتاد كل سنة رغم عدم استلام الكوبين “مال الإيجار”.
كان اختيار الإدارات الأمريكية هذا المكان لتتجنب المسؤولية القضائية والملاحقة من قبل لجان مجتمعها المدني الذي يتابع مثل هذه الجرائم، ولا يسكت عن ممارسات حكومته الهمجية. لكن النظام الاستخباراتي الأمريكي يتهرب من الملاحقات القانونية ويعقد صفقات وشراكات مع الأنظمة الأمنية، حتى لو كانت قمعية ودكتاتورية لتعمل عنه بالوكالة، وتفعل كل ما هو مخالف لحقوق الإنسان خارج نطاقه الجغرافي.
ما يدفع المراقب للحديث عن مستنقع آسن للنفاق، تقع فيه تلك الدول مع كل تلك الشعارات والقوانين الناظمة التي تسقط خارج نطاق التحالفات الأمنية، وخارج النطاق الجغرافي، ليتضح أننا ضحية سذاجة وكمية كبيرة من الترويج لمواصفات غير موحدة أو قياسية، تؤدي فيها الفروق بين الحدود الجغرافية دوراً هاماً بالتمييز بين الشعارات وما يمكن تطبيقه منها على الآخرين، وأن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي كانت تنتهك بشكل يومي في سوريا وغيرها من الدول، ما هي إلا معايير يمكن التلاعب بأصول مبادئها، بل واستخدامها كوسيلة من وسائل الضغط حين اللزوم على دولة ما.
يكفي وصف تلك الحكومة حينها بأنها قمعية لتحصيل بعض التنازلات في صفقة دولية ما، وأنه ليس هناك قعر للسفالة في عالم السياسة ولعل في ضغط إدارة ترامب حالياً على بلدان بعينها لتهجير سكان غزة أقرب مثال على ذلك.
حين تسقط قلعة من قلاع الطغاة، كما هو الحال مع صيدنايا أو غيره من السجون التي تحولت إلى رموز للرعب والقمع، لا يمكن النظر إلى الحدث على أنه مجرد انهيار مبنى أو تفكك مؤسسة قمعية، بل هو جزء من مشهد أوسع يعكس طبيعة السلطة وازدواجية المعايير في التعامل مع حقوق الإنسان والعدالة، فسجون الأنظمة الدكتاتورية ليست مجرد أماكن احتجاز، بل هي انعكاس لمنظومة متكاملة تقوم على القمع وتكميم الأفواه وإخضاع الشعوب، فيصبح التعذيب سياسة ممنهجة، والسجن أداة لإدامة السلطة.
ولا تنحصر المأساة الأعمق في الأنظمة التي تعلن استبدادها بلا مواربة، بل تمتد إلى أولئك الذين يتزينون بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما يديرون في الخفاء سجونًا ومعتقلات لا تقل وحشية عن تلك التي يدينونها في العلن، فمن غوانتانامو، حيث يُحرم المعتقلون من أبسط حقوقهم الإنسانية، إلى السجون السرية التي ترعاها أو تتواطأ معها قوى تدّعي نشر الحرية، تتضح الصورة الحقيقية لعالمٍ تحكمه المصالح لا المبادئ، فالأنظمة القمعية التقليدية تعتمد على التخويف أداة للسيطرة، بينما تمارس الديمقراطيات المزيفة القمع بطرق أكثر خفاءً، مستخدمة القانون أحيانًا أداة لتبرير انتهاكاتها، أو متسترة بشعارات الأمن القومي ومحاربة الإرهاب لتبرير جرائمها.
وفي خضم هذه التناقضات، لا يمكن أيضاً إغفال مسؤولية القوى والفصائل التي رفعت راية التحرير، ثم سقطت في فخ القمع ذاته، فأنشأت سجوناً سرية ومارست الانتهاكات باليد ذاتها التي حملت شعارات الحرية، هنا تصبح القضية أعمق من مجرد سقوط سجن أو بقاء آخر، بل هي معركة ضد منظومة القهر بكل أشكالها، سواء جاءت في صورة دكتاتور مستبد، أو تحت قناع زائف لمدافع عن الديمقراطية أو مناد بالحرية، أو ببندقية فصيل ادّعى الثورة على الظلم ثم مارسه.
إن انهيار صيدنايا أو تدمر أو أي معتقلٍ آخر لن يكون انتصاراً حقيقياً إن لم يمتد ليشمل كل السجون التي تُدار بعقلية الاستبداد، أياً كان غطاؤها الأيديولوجي أو السياسي. فكما لم يكن سقوط الباستيل مجرد هدمٍ لقصر يشير لسيادة صاحب السلطة يتحكم بالجيش والسلاح، بل بدايةً لانقلابٍ على حقبةٍ من الظلم، فإن أي سجن يتهاوى اليوم يجب أن يكون خطوة نحو اجتثاث منظومة القهر بكاملها.
وهنا نخلص إلى مبدأ عام: العدالة لا تكون انتقائية، والحرية لا تُجزّأ، وما دام هناك أبرياء خلف القضبان، فإن سقوط جدارٍ واحد لا يكفي، بل يجب أن تتهاوى كل الجدران التي تحاصر الكرامة الإنسانية، ليعود القانون سيداً، والحرية حقاً لا منحة، والعدالة ميزاناً لا سلاحاً بيد الأقوياء.