سياسة

القصف الإسرائيلي على درعا: تصعيد أمني في الجنوب السوري

يونيو 15, 2025

القصف الإسرائيلي على درعا: تصعيد أمني في الجنوب السوري

فجر الثلاثاء، 3 حزيران/ يونيو 2025، تعرضت محافظة درعا لغارات جوية نسبتها مصادر عسكرية إلى إسرائيل، استهدفت مواقع عسكرية يُعتقد ارتباطها بفصائل مدعومة من إيران، ما أعاد الجنوب السوري إلى واجهة الصراع الإقليمي المتجدد، وطرح أسئلة ملحة حول قدرة الدولة السورية الجديدة على تثبيت الأمن والسيادة في منطقة ما تزال تعاني من آثار الحرب وتداخل النفوذ الإقليمي.

كما يطرح تساؤلات عن طبيعة الصراع في الجنوب السوري، ومدى ارتباطه بالتوترات الإقليمية الأوسع، لا سيما على جبهة الجولان، وما إذا كانت درعا مرشحة لتكون مسرحاً لمواجهة إقليمية متجددة.



 

السياق الزمني والمكاني للهجوم


بحسب تقارير متقاطعة من وسائل إعلام دولية ومحلية، استهدف الهجوم الإسرائيلي عدة مواقع عسكرية في مناطق متفرقة من جنوب سوريا، من أبرز هذه المواقع، تل المال، شمال محافظة درعا، الذي يُعد مركزاً استراتيجياً للمراقبة. والفوج 175 التابع للفرقة الخامسة في الجيش السوري، قرب مدينة إزرع.


ومواقع في محيط بلدتي كناكر وسعسع جنوبي غرب العاصمة دمشق.

 


وبحسب وكالة “رويترز“، فإن القصف جاء رداً على إطلاق قذائف صاروخية من الأراضي السورية نحو منطقة الجولان السوري المحتل، ما اعتبرته إسرائيل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، في حين أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن القصف استهدف مخازن أسلحة ومراكز تابعة لفصائل مدعومة من إيران، مرجّحاً أن من بين القتلى عناصر من جنسيات غير سورية.


 

دلالات ورسائل الهجوم من المنظور الإسرائيلي

 

يُدرج الهجوم في إطار ما تسميه إسرائيل “الردع الوقائي”، وهي سياسة عسكرية تتبناها لتقويض أي تموضع عسكري تعتبره تهديداً مباشراً، لا سيما على مقربة من حدودها الشمالية. وبحسب تقرير لموقع “تايمز أوف إسرائيل“، ترى تل أبيب أن الجنوب السوري ما يزال بيئة خصبة لتسلل مجموعات مسلحة موالية لإيران أو حزب الله، خاصة في ظل ضعف المركزية الأمنية السورية في تلك المنطقة، ولذلك، فإن أي تحرك عسكري أو لوجستي يُشتبه بأنه يخدم أهدافاً إيرانية يُقابل برد عسكري سريع.


 

ولا يمكن فصل هذا الهجوم عن السياق الأوسع للتوتر الإيراني الإسرائيلي، خصوصاً في ظل تصاعد النشاط العسكري في جنوب لبنان أيضاً، ما قد يشير إلى خشية إسرائيل من تشكّل جبهة موحدة تمتد من جنوب لبنان إلى الجولان.




موقف الدولة السورية الجديدة: تحديات السيادة والاستجابة المحلية 


أدانت الحكومة السورية الجديدة القصف، واعتبرته انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية ومحاولة لتعطيل جهود إعادة الاستقرار، لكنها في الواقع، تواجه معضلة معقدة؛ فمن جهة، ما تزال المؤسسات الأمنية والعسكرية في طور إعادة البناء، ومن جهة أخرى، فإن الضغط الخارجي يضعها أمام اختبار مبكر في قدرتها على فرض سيادتها.



وتشير تقارير محلية، إلى أن بعض الفصائل المحلية في درعا عبّرت عن استعدادها للتعاون مع السلطات الرسمية لمنع أي فراغ أمني قد يُستغل من قوى خارجية، كما عُقدت اجتماعات بين وجهاء عشائر ومسؤولين محليين لبحث سبل تعزيز التنسيق الأمني في المناطق المتضررة من الهجوم.


 

هذه التطورات، وإن بدت إيجابية، إلا أنها تبرز هشاشة الواقع الأمني، وتطرح تحدياً على قدرة الحكومة الجديدة في كبح التدخلات الخارجية، خاصة حين يكون الرد الإسرائيلي فورياً وعنيفاً.


 

التداعيات الأمنية والسياسية: درعا بين هشاشة الداخل وضغوط الخارج


 

لطالما كانت درعا بؤرة مركزية في التحولات التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، ومع دخول البلاد مرحلة ما بعد الحرب، يفترض أن تنعم المحافظة بهدوء نسبي، لكن الواقع الميداني يعكس وضعاً يخالف ذلك.


 

يشير القصف الإسرائيلي إلى استمرار الهشاشة الأمنية رغم عودة مؤسسات الدولة، وصعوبة ضبط الفصائل المسلحة غير المنضوية بشكل كامل ضمن الأجهزة الرسمية.


 

احتمال تصاعد التوترات مع أي اختراق أمني جديد


على الصعيد السياسي، فإن الحكومة الجديدة مطالبة بإظهار قدرة على حماية الجنوب، ليس فقط من الهجمات الإسرائيلية، بل من محاولات زعزعة الاستقرار الداخلي أيضاً، سواء من خلال تهريب السلاح، أو إعادة تموضع خلايا مسلحة كانت كامنة.


 

البُعد الإقليمي: هل يتحول الجنوب السوري إلى ساحة مواجهة جديدة؟


يرى محللون في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن ما يجري في الجنوب السوري ليس معزولاً عن السياق الإقليمي، بل هو امتداد لتنافس النفوذ بين إيران وإسرائيل، وفي هذا الإطار، فإن تل أبيب تعمل على منع تشكّل ممر بري يمتد من طهران إلى بيروت عبر سوريا.



القصف على درعا، من هذا المنظور، لا يُفهم فقط بأنه رد على إطلاق قذائف، بل جزء من استراتيجية أوسع لتقويض النفوذ الإيراني على مقربة من الجولان.



 في المقابل، فإن سوريا، بعد الحرب، لا تملك رفاهية التورط في صراع مفتوح مع إسرائيل، كما أن حلفاءها التقليديين باتوا أكثر حذراً في الانخراط المباشر، ما يُصعّب على الدولة الجديدة بناء موقف إقليمي موحد.


 

مستقبل الجنوب السوري: التحدي الأمني وفرص الاستقرار


في ضوء هذه المعطيات، يمكن القول إن درعا تمثل اختباراً مصيرياً لمستقبل الدولة السورية الجديدة. ونجاحها في إدارة هذه المرحلة يتوقف على، بناء أجهزة أمنية موحدة وفعّالة.



فرض القانون على جميع القوى المسلحة، تعزيز الثقة مع المجتمع المحلي، والتواصل مع الأطراف الإقليمية لتفادي صدامات غير محسوبة.



يبقى التساؤل مطروحاً: هل ستتمكن دمشق من تثبيت الأمن في الجنوب دون تفجير جبهة جديدة؟ وهل ستنجح في تحويل التحدي إلى فرصة لإثبات السيادة؟



إن القصف الإسرائيلي على درعا يُعيد رسم خارطة التهديدات في الجنوب السوري، وهو ليس حادثة منعزلة، بل مؤشر على مرحلة جديدة من اختبار التوازنات في الجنوب السوري الذي يعد مسرحاً ملائماً في ظل ضعف المؤسسات، وتشابك المصالح الدولية، وبين ترميم الداخل ومخاطر الخارج، يبقى الرهان على قدرة الدولة الجديدة في تحويل هذا التحدي الأمني إلى لحظة تثبيت سيادة، لا إلى انزلاق في جبهة لا تملك أدوات خوضها.

شارك

مقالات ذات صلة