مشاركات سوريا

من الغربة إلى الانتماء: رسالتي في يوم وطنيّين‎

يونيو 14, 2025

من الغربة إلى الانتماء: رسالتي في يوم وطنيّين‎

-رند بريخان


أنا كاتبة/ مواطنة سوري مقيمة في السويد، وأحمل بين قلبي وطنين وتجربتين شكلتا هويتي من جديد. في هذه الكرونيكا أشارك تأملاً شخصياً حول العلاقة المعقدة بين المنفى، الوطن، والرموز الوطنية، بمناسبة اليوم الوطني للسويد، ويوم تحرر بلادي سوريا.  


 

في طفولتي، لم أفهم أبداً معنى اليوم الوطني لأي بلد، ولا حتى النشيد الوطني. كنت أتجنب الشعور والفكرة معاً، تماماً مثل الطفل الذي فقد والدته ولا يريد الاحتفال بعيد الأم، ليس لأنه لا يحبها، بل لأنه لا يحتمل أن يشعر بالفراغ الذي يحمله في قلبه.


كانت الأعلام بالنسبة لي مجرد قطع قماش، والأناشيد مجرد كلمات فارغة. لم تلمس شيئاً بداخلي. كانت تنتمي إلى شيء لم ينتمِ لي يوماً. وطن كان لي، ولكنه لم يكن يوماً لي حقاً. سوريا المكان الذي أنتمي إليه، ولكنني لم أعشه في سلام.



ولفترة طويلة، حملت بداخلي سؤالاً صامتاً: لماذا لا أشعر بما يشعر به الآخرون عندما يحتفلون بوطنهم؟ لماذا تبدو الوطنية لغة غريبة عني؟



لم أجد إجابة. فقط مسافة داخلية، ورفض للدخول في مساحة الألم.

ثم جاء الثامن من كانون الأول، اليوم الذي سقط فيه نظام الأسد، اليوم الذي تنفست فيه بلادي أول أنفاسها كأرض حرة. وكأن شيئاً ما استيقظ بداخلي، ذكرى لشيء لم أعشه قط، شعور بالانتماء، بأن لي وطناً لم يعد محاصراً برعبٍ دائم.



فجأة فهمت. ولأول مرة شعرت بما يعنيه اليوم الوطني، لم يكن الأمر يوماً عن الأعلام أو الألعاب النارية. بل كان عن الأمل، عن الألم، عن صراعٍ لم ينكسر. عن أن يكون لك وطن، ليس بالعادة، بل بالإرادة.



وفي نفس الوقت، وجدت لنفسي وطناً جديداً السويد، بلد منحني الأمان، والحماية، وفرصة لأتنفس من جديد.


وتعلم؟ مع مرور السنوات، في كل مرة أرى العلم السويدي يرفرف في ساحة مدرسة، على نافذة، أو مع نسيم الصيف أسمع شيئاً. همسة بداخلي، كدعاء النبي إبراهيم:

(رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً)

لم تعد الأعلام مجرد ألوان وأقمشة. بل أصبحت شعوراً وعداً امتناناً..
وربما لأول مرة شعور بالفخر.. وطنان، قلبان، وذات جديدة.

شارك

مقالات ذات صلة