مجتمع
– ضحى السطم
في عام 2020 فرضت وزارة التعليم العالي التركي على الطلاب السوريين المقيمين في تركيا والذين يحملون هوية الحماية المؤقتة، الأقساط الدراسية الجامعية، وهذا يعني دفع مبلغ معين حسب كل تخصص فصلياً، فأصبح يُعامل الطالب السوري، والذي كان من قبل معفيّاً من دفع أي أقساط ومبالغ، كأي طالب جامعي جاء لتركيا فقط لدراسة الجامعة أي أنه طالب ذو دولة مستقلة قوية تدعمه.
وبما أن هذا الأمر لم يكن سارياً وقتذاك، بناء على هذا القرار، سحب المئات بل الآلاف من طلاب الجامعات السوريين قيودهم وتركوا الدراسة كلياً، كان هناك طلاب في كلية الهندسة، الصيدلة، الطب، الآداب والكثير من الأفرع الأخرى جميعهم أدركوا صعوبة دفع تلك المبالغ وتحميل ذويهم ما لا يطيقون، فانسحبوا من الحقل الأكاديمي كلياً.
اليوم.. وبعد شهور على سقوط النظام، يقف الطالب السوري المغترب وهو يأمل أن تعيد له دولته ما فقده في المنفى، لكن تفاجئنا وزارتنا في قرارات جديدة تبدو أحياناً مجحفة بحق الطلاب، إذ لا يعترفون بشهادات الطلاب المتخرجين من جامعات التعليم المفتوح في تركيا، أي أن الطالب الذي درس سنوات في كلية الاقتصاد أو الشريعة أو غيرها من الأفرع ببساطة لا تُؤْخَذ شهادته بعين الاعتبار فقط لأنه درسها عن بعد!
ونجدهم يعاملون شهادات الثانوية القادمة من تركيا مثلاً على أنها شهادة أجنبية، أي أنك كطالب سوري، تحملت الغربة سنوات طوال، وكافحت لتعلم اللغة وربما كنت تدرس وتعيل عائلتك في نفس الوقت، حين تقرر العودة إلى بلدك كي تدرس وتبنيها، تجد أنهم يعاملونك في الجامعات على أنك طالب أجنبي!
لم أجد مفارقة مضحكة أكثر من هذه، ولم يُعلن حتى الآن عن معلومات أو أخبار تيسّر للطالب المغترب والذي ينوي العودة إلى وطنه معاملات القبول والمفاضلات الجامعية. نحن نتفهم أن التقديم عن بعد، والمراسلة الإلكترونية، أو المفاضلة أونلاين، كل هذه الأمور لم تتم بعد في سوريا، وأننا بحاجة إلى وقت وجهد لكي نستطيع عمل نظام تعليمي يسهّل على الطالب التقديم والمفاضلة.
لكن في الوقت ذاته، الحكومة اليوم تملك الفرصة لمسح كل ما بناه النظام البائد من قوانين مجحفة بحق الطلاب، وتستطيع أن تبدأ بكتابة قوانين جديدة تعين الطالب السوري المغترب، وتعطيه أملاً بوجود بلد يحترم رغباته في الدراسة، ويتفهم ما تعرض له خلال سنوات الغربة، ويمنحه تسهيلات تساعده على الدراسة والتفوق.
وإننا حين نطلب هذه التسهيلات، نطرح سؤالاً إجابته ضمنه، فحين يدرس الطالب السوري في سوريا، ويتفوق في تخصصه، ويبذل جهده للدراسة والعلم، في النهاية محصول هذا العلم أين سيكون؟ وأين سيحط؟ إذن، القوانين التي ستضعونها اليوم، ستعود عليكم نفسها في المستقبل، فالطالب حين يجد أن بلده لا تؤمن له الفرصة، وتصعّب عليه الدخول لفرع يرغب فيه، وتطالبه بدفع أقساط جامعية خيالية تعادل ما يدفعه في الغربة، أقولها وبصراحة سيصاب بخيبة أمل، وسيقرر أن هذا البلد لا يستحق منه هذه المحاولات.
اليوم نحن على أعتاب مرحلة جديدة، وكل الشعب السوري يشهد تطورات سريعة، وبإذن الله ستصبح سوريا من أقوى الدول في الشرق المتوسط، فلماذا نضع العقبات في وجوه الأجيال الجديدة والتي هي أجدر ببناء سوريا الحرة؟ في هذا المقال، أنا لا أريد إيصال صوت، ولا الصراخ من أجل مطالب، بل نريد تحقيق العدالة. مثل ما طلبنا العدالة للقبض على فلول النظام، أو تغيير قوانين ظالمة في الطائرات الحكومية، العدالة التعليمية من حقنا أيضاً، وهذا ما أحاول إيصاله.
لن تجد طالباً، يدفع أقساطاً خيالية كل فصل، يدرس في جامعة تعتبر شهادته أجنبية، يُطالب بامتحانات القبول لكي يستطيع الدراسة، لن تجده في نهاية المطاف ينتمي إلى هذا البلد وسيهرب منها حين تأتيه الفرصة.
لذا، ولأننا نريد بناء سوريا الحرة، نريد أيضاً أن تساعدنا هذه الحكومات الجديدة، أن تنظر في أمرنا، أن يتأمل وزير التعليم في وضعنا ثم يضع قوانين العام الدراسي الجديد على هذا الأساس، وإذا لم يتغير شيء.. فهذا يعني أن بقايا عهد النظام المخلوع ما يزال متجذراً فينا، وأن الحكومة الجديدة تخاف التغيير الهائل وترفض اقتلاع جذور حكم الأسد، ومن ثم لن نشهد تغييراً في مدارسنا وجامعاتنا اللهم إلا حذف مادة القومية من مناهج التعليم.