آراء

قد رجمنا الشيطان رمزًا.. فمتى ترجم العرب شياطين التفرقة والجهالة؟

يونيو 8, 2025

قد رجمنا الشيطان رمزًا.. فمتى ترجم العرب شياطين التفرقة والجهالة؟

تأملت مشهد الحجيج وهم يتدفقون من كل فجٍ عميق، فانتابني شعورٌ يؤمن بشدة بقدرة هذه الأمة المنكوبة على أن تجتمع متى شاءت وتوفرت لها الظروف ، وتستطيع أن تتجاوز كل ما يُفرّقها متى صدقت النية وسمت المطالب ، فملايين البشر، يختلفون في ألوانهم وألسنتهم، لكنهم يرتدون لباسًا واحدًا، ويتجهون صوب قبلة واحدة، ويهتفون بنداء واحد منادياً بتوحيد المرغب والمطلب والجهة  ، و عندها برزت في ذهني صورة الأمة الإسلامية في عصورٍ مضت، كيف كانت تجتمع في وجه الغطرسة العالمية، وكيف كانت لها هيبةٌ وكلمةٌ ومشروع.


ثم تساءلتُ بمرارة شديدة : ما الذي غيّرنا؟ كعرب ومسلمين ؟  كيف تحوّلنا من أمةٍ تُرهب الأعداء بوحدتها إلى أمةٍ تترقب مصيرها في نشرات الأخبار؟ فعلاً .. كيف أصبحنا شعوبًا متجاورة في الجغرافيا، متباعدة في المواقف، متنافرة في الرؤى؟ والأخطر من ذلك، كيف تحولنا من صناع للتاريخ إلى أسرى في هوامشه؟


ونحن نرى النظام العالمي يعاد تشكّله اليوم أمام أعيننا ، وليس لنا في لعبة الأمم أي دور فعال ،  ولم تعد الأمم المتحدة ولا المؤسسات الدولية حَكَمًا نزيهًا في الصراعات، بل أدوات في يد الأقوى ، فالقوى الكبرى تنسج مصالحها من دون اكتراث بمبادئ العدالة وتحقيقها ، بل تُقيم تحالفاتها بمعايير أنانية محضة وقذرة  ، ونجد ما بدر منهم تجاه غطرسة الصهاينة في غزة ، فنرى الحق يداس برضاهم و لم يكن له حامٍ، وتُقلب الوقائع فلا إعلام  ولا سند.


ونحن العرب نملك كل ما يؤهلنا للنهضة .. نملك عمقًا حضاريًا لا ينازعنا فيه أحد، وثروات طبيعية هائلة، وموقعًا جغرافيًا حيويًا يربط العالم شرقًا وغربًا ،  ومع ذلك، لا تزال الأمة العربية تعاني من الضعف والتشرذم، لأننا فقدنا البوصلة، وفقدنا روحنا و كياننا في صراعات قطبية قطرية فئوية.

صدقوني .. الوحدة ليست حلمًا أو أمراً كمالياً ، بل ضرورة تاريخية متجددة ،  إنها الوسيلة الوحيدة لصناعة مستقبل مختلف عن ماضينا  ،  فنحن في زمن لا يُعترف فيه بالعالم إلا بالقوة، والقوة لا تولد من الفرقة والتشرذم ،  فالتكتلات الكبرى – سواء في أوروبا أو آسيا – لم تتقدم إلا بوحدة موقفها السياسي ومصلحتها الاقتصادية ، ونحن أولى بذلك منهم. لدينا دينٌ جامع، وتاريخ مشترك، وهمٌّ سياسي وثقافي واحد، فلماذا نضيّع كل ذلك خلف خلافات لا تليق بحجم قضايانا؟


فالحجيج علمونا درسًا بليغًا..  من استطاع أن يُلغي الفروق في مكة، قادرٌ أن يُلغي الفجوات بين عواصم العرب ،  فما نحتاجه ليس اتفاقيات شكلية، بل مشروع حضاري متكامل يعيد صياغة العلاقة بين شعوبنا، ويبني إعلامًا ناطقًا بلساننا أجمع ، واقتصادًا تكامليًا، وموقفًا سياسيًا موحدًا في وجه الاستعلاء العالمي.


إننا بحاجة إلى أن نسترد وعي الأمة بنفسها، وأن نؤمن من جديد أن لنا رسالة إنسانية عالمية مجيدة ، وأن ضعفنا ليس قدرًا بل خيارًا يمكن أن نتراجع عنه ، ونملك ذلك فعلاً ،  ولئن كنا نعيش زمنًا لا يرحم الضعفاء، فلنتحول إلى كتلةٍ واحدةٍ وجبهة متينة لا يُكسر عزمها، ولا يُساوَم على حقها.

شارك

مقالات ذات صلة