مجتمع
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية بمنشورات طلاب سوريين في تركيا عبّروا فيها عن اعتراضهم على القرار الصادر عن “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي” في سوريا بتاريخ 13 مايو/ أيار من العام الجاري، والذي ينص على عدم الاعتراف بالشهادات الجامعية غير السورية الصادرة عن أنظمة التعليم (الافتراضي أو الإلكتروني أو التعليم عن بعد)، وأكد القرار أن الاعتراف سيقتصر فقط على الشهادات التي يحصل عليها الطلاب من خلال التعليم الحضوري في الجامعات.
عدّ كثير من الطلاب السوريين الذين درسوا في تركيا ضمن أفرع مختلفة من جامعات التعليم المفتوح أن القرار ظالم ومجحف بحقهم، موضحين أن لجوءهم إلى التعليم الإلكتروني لم يكن خياراً ترفيهياً بل فرضته عليهم ظروف اللجوء القسري، وينتمي هؤلاء الطلاب إلى شريحة من بين أكثر من 17 ألف طالب وطالبة تخرجوا من الجامعات التركية خلال السنوات الأخيرة.
في هذا التقرير، نناقش مع عدد من الخريجين آثار هذا القرار على مستقبلهم ومدى تأثيره على رغبتهم في العودة إلى وطنهم الأم الذي لم يعد يعترف بشهاداتهم رغم الاعتراف بهذه الشهادات في تركيا وعدد من الدول الأوروبية، كما نتطرق إلى الظروف التي دفعتهم لاختيار نظام التعليم الإلكتروني.
يُعد التعليم المفتوح في تركيا أحد أنظمة التعليم المعترف بها رسمياً، ويوازي التعليم الجامعي التقليدي في عدد من التخصصات التي لا تتطلب حضوراًَ دائماً إلى الحرم الجامعي، ويعتمد هذا النظام على تقديم المحاضرات عبر بيئة افتراضية بالكامل تتيح للطلاب متابعة دروسهم إلكترونياً، فيما تُجرى الامتحانات بشكل حضوري في قاعات مراقبة تُتخذ فيها إجراءات صارمة تمنع الغش ما يضمن معايير أكاديمية جدية ومعترف بها داخل تركيا وخارجها.
وتوجد في تركيا ثلاث جامعات تعتمد نظام التعليم المفتوح (Açıköğretim) وهي جامعات: أناضولو وأتاتورك وإسطنبول، وتقدم هذه الجامعات المحاضرات من خلال دروس مسجلة أو بثوث مباشرة يستطيع الطالب مشاهدتها في الوقت الذي يناسبه عبر موقع الجامعة أو تطبيقها الإلكتروني.
أما عن نظام الامتحانات، أوضحت روان خليفة خريجة قسم راديو وسينما وتلفزيون لموقع “سطور”، أن الغش أمر مستحيل تقريباً حيث تضم القاعة الواحدة طلاباً من اختصاصات مختلفة وتُقسَّم الأسئلة إلى أربعة نماذج لكل فرع جامعي، كما يخضع الطلاب للتفتيش قبل دخول القاعة، ويُمنع إدخال أي أدوات باستثناء القلم والممحاة والبطاقة الجامعية، كما أن كل أربع إجابات خاطئة تحذف علامة من إجابة صحيحة.
وفي السياق نفسه، أكدت دعاء محمد خريجة قسم العلاقات الدولية من جامعة أناضولو لـ”سطور”، أن نظام الامتحانات في الجامعة يتميز بصرامة كبيرة سواء من حيث التفتيش الأمني أو عدد المراقبين داخل القاعات مشيرة إلى أن الغش أمر مستحيل في ظل هذه الإجراءات، وأضافت أن شهادتها لا تحمل أي إشارة إلى أنها صادرة عن نظام التعليم المفتوح، وهو ما يعكس مدى تكافؤ هذا النظام مع التعليم التقليدي في تركيا حيث يُعاملان على قدم المساواة.
في ظل ظروف اللجوء والقيود المعيشية الصعبة، لم يكن التعليم الإلكتروني خياراً سهلاً بل ضرورة فرضتها الظروف على كثير من الطلاب السوريين، إذ اضطر بعض لاختيار هذا النمط من التعليم لمواصلة دراسته الجامعية رغم التحديات اليومية أثناء اللجوء.
ومن بين هؤلاء الطلاب دعاء محمد التي قالت لـ”سطور”: إن قرار وزارة التعليم العالي السورية عدم الاعتراف بشهادات التعليم المفتوح شكّل صدمة كبيرة لها خاصة بعد سنوات طويلة من الجهد والتحديات التي واجهتها في سبيل استكمال تعليمها الجامعي، فبعد إنهاء الشهادة الثانوية عام 2012 عاشت سنوات من التنقل بين الأردن وسوريا وتركيا، واجهت خلالها صعوبات قانونية وأمنية حالت دون متابعة دراستها بشكل منتظم إلى أن استقرت أخيراً في تركيا عام 2015.
ورغم محاولاتها المتكررة للتقديم على المنح الجامعية والقبول في جامعات حكومية، حالت الظروف الاقتصادية وعدم توفر سكن مناسب دون قدرتها على الالتحاق بالتعليم التقليدي، ما دفعها إلى العمل لتأمين دخل مادي ووجدت في نظام التعليم المفتوح فرصة مناسبة للجمع بين الدراسة والعمل، فالتحقت بجامعة الأناضولو عام 2019 وتخرجت عام 2023، وفق حديثها.
من جهة أخرى، أفادت روان خريجة التمريض من جامعة “سامسون” أنها اختارت هذا النظام التعليمي لأنه أتاح لها دراسة تخصص ثانٍ عن بُعد مع الحضور فقط وقت الامتحانات، ووصفت الجامعة بأنها قوية أكاديمياً، مشيدة بكفاءة الأساتذة وجودة التعليم الإلكتروني من خلال الدروس المسجلة والبث المباشر.
أطلق آلاف الطلاب حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، طالبوا فيها وزير التعليم العالي د. مروان الحلبي والحكومة السورية الجديدة بمراجعة القرار مؤكدين أن التعليم المفتوح نظام أكاديمي معترف به في تركيا وعدد كبير من الدول وقد مكّن مئات السوريين من متابعة دراستهم العليا في الماجستير والدكتوراه.
ووصف البعض القرار بأنه جائر بحق آلاف الطلبة السوريين في تركيا، ومنهم الصحفي أمجد الساري الذي قال: إن هؤلاء الطلاب أجبرتهم الظروف على التسجيل في التعليم المفتوح فلا يوجد أي مبرر منطقي لعدم الاعتراف به، مستفهماً في منشوره عبر صفحته الشخصية في “فيسبوك“، “إلى ماذا استندت وزارة التعليم العالي في قرارها؟ فهل يُعقل أن يُحرم آلاف الطلبة من حق الاعتراف بشهاداتهم بسبب قرار عشوائي تم اتخاذه دون دراسة أوضاع الجامعات التركية ودون أدنى معرفة بطبيعة التعليم في تركيا”.
ولنقل مطالب الخريجين والطلبة في التعليم المفتوح بتركيا والاستفسار عن تفاصيل القرار أكثر وسبب اتخاذه وإن كانت توجد نية لدى الوزارة لمراجعة هذا القرار مستقبلاً أو اعتمادها حلولاً وسطية لهؤلاء الطلاب، تواصل موقع “سطور” مع قسم العلاقات في “وزارة الإعلام” السورية، لكنه لم يحصل على إجابة حول الأسئلة حتى لحظة تحرير هذا التقرير.
وحول القرار وأثره على الطلاب السوريين في تركيا، اختتمت روان خليفة حديثها معبّرة عن شعورها بالظلم بعد القرار حيث قالت إن كثيراً من الطلاب مثلها اختاروا التعليم المفتوح بسبب ظروفهم المادية أو القسرية وقد اجتهدوا ودفعوا أقساطاً طيلة سنوات ليُفاجؤوا اليوم بعدم الاعتراف بشهاداتهم دون توضيح أسباب مقنعة، وترى أن مثل هذا القرار سيؤدي إلى إنهاء مستقبل الكثير من الطلاب الذين سيعيدون النظر في العودة إلى سوريا والاستقرار فيها، مطالبة الوزارة بإعادة النظر في القرار أو تقديم تفسير منطقي له.
في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2024 صرّح وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، خلال مقابلة صحفية مع وكالة “الأناضول” التركية، أن عدد الطلاب السوريين في تركيا يبلغ 819 ألفاً و265 طالباً بينهم 60 ألفاً و750 شاباً سورياً يتلقون تعليمهم في الجامعات التركية، في حين تخرّج حتى تاريخ التصريح 17 ألفاً و379 طالباً سورياً من الجامعات.