آراء
في مشهد سافل، ليس بمعزل عن الفيلم القبيح الذي نعيشه منذ 12 سنة في عهد الجمهورية الجديدة، بقيادة الحاكم بأمر الله، الباتع سرُّه، النافذ أمره، العبد المجرم بحق الخلق والخالق، لا عجب أن تسمع قصصا يشيب لها الولدان، لأنه وياللعجب الولدان أنفسهم هم المستهدفون، فلا جرم أن يشيبوا، أن تبيض شعورهم أو أن تسقط، وهم يُتحرش بهم، في مدارس الراهبات، أو حتى حمامات المساجد، هي الجريمة النكراء نفسها، لكن السلطة المبتذلة التي تستعد بكل مكوناتها أن “تطرمخ” على تحرش ذكر كبير بطفل في مدرسة، بتواطؤ المديرة والراعية، ليجد فيه هواه الساقط. وكل ذلك بزعم دفع “الفتنة الطائفية”!
والحكاية تبدأ من “ياسين”، الطفل الصغير، الذي ذاعت قصته هذه الأيام مجددًا، بعد فضح الجماهير المدرسةَ التي يدرس بها، والتي تعرض بين جدرانها لاغتصاب متسلسل، أو اعتداءات جنسية دورية، تأتي به “الناني” الراعية من صفه، وتذهب به إلى المحاسب الذي يصطحبه إلى جراج ملحق، ويفعل به فعلته الشنيعة، وهكذا دواليك، وحين علمت الأسرة، ورفعت قضية، حُفظت، خشية إثارة “فتنة طائفية”، كأن البلد تحسب حسابا كبيرًا للأديان، وعلى رأسها من ألبس على الناس دينهم، وفتنهم في عقائدهم، في انحطاط مجتمعي، وابتذال جمعي، تحت شعارات الوحدة الوطنية التي أكل الزمان عليها وشرب، وهذا بإشراف من وزير التربية والتعليم، ومن القضاء الحريص على مصالح البلاد والعباد، ومن “الوسطاء” الذين يطلبوا تسوية القضية بين الجاني والضحية، وهم من أعضاء حزب “مستقبل وطن”، وفي الاسم كفاية لمن عقل.
ذلك المستوى من الانحطاط الاجتماعي، لم يكن ليصل إليه المجتمع المصري بخصوصياته، ولم يكن ليصيبه في مقتل كهذا، وبتصاعد وتوسع وتفشٍّ مريب للتحرش والاغتصاب والمخدرات والسرقة والسطو، لولا راعي الأمن والأمان، المغتصب الكبير الذي علمهم السحر، الذي اصطحب الشعب خلف جدارٍ هو الآخر، وظل يتناوب عليه سنوات وسنوات، يجرده من كل شيء، من مأكله ومشربه، من مسكنه ومأمنه، من ملبسه وستره، وأخيرًا من دينه وأصله وشرفه.
دخيلٌ قميءٌ مقزز، جعل من البلاد الكريمة مَهانة، وأورث الناس الذل والنقائص، متلذذًا بهتك عرض المحروسة، متمتعًا بقهر القاهرة، ممارسًا رذيلة الحكم من قصره المشيد، بينما يغتصب حقوق الناس يومًا بيوم، دون راحة أو فاصل، في جريمة اغتصاب متسلسل، كل تفاصيلها مقرفة، وليس ذلك الوصف لعداوة سياسية ولا معارضة ضد حكم وسلطة، وإنما محاولة إعطاء الواقع بعضًا من صورته، مع تحول البلد الكريم الآمن أهله الكريم طبعه إلى ذلك النموذج الذي لا يعرف مصر ولا تعرفه، دولةٌ بمؤسساتها تتستر على مغتصب أطفال، ربما لأنهم لو أرادوا إدانة كل المغتصبين، لكان الرأس هو أول رأس.
سمةٌ مشتركة في هؤلاء جميعًا، من دون مبالغة ولا تجنٍّ، شيءٌ واحدٌ موحَّد ستجده في أصحاب هذه القضايا، من يغتصب ومن يتواطأ ومن يعرض التسوية والتنازلات، أنهم جميعًا من رجال حضرته، أنهم مؤيدوه وخاصته، وتلك عينة بسيطة منهم، هم الراقصون له على جثامين الأطهار البررة، وهم الراقصون له في ساحات الانتخابات، وهم المساقون خلفه إلى المحافل بالوجبات والحافلات، وهم الحرس الوفي له، ويتخذون منه إلها.
هذه هي “مصرهم” التي لا يعرفها المصريون الحقيقيون، هذه التي ليس في خاطري ولا فمي، وإنما التي يعيشون فيها كعالمٍ موازٍ للحقيقة، وواقعٍ منقلب على التاريخ، وطارئٍ مسيطر على الأصيل، يغتصبون حقوق الكلام والاعتراض والحرية، يغتصبون العدالة والقسط والطهارة، يغتصبون القيم والمبادئ والأصول، ويغتصبون حتى الأطفال الصغار في ملحقات المدارس! فلم يغتصب المحاسب المسنّ النجسُ الطفل البريء بنفسه، وإنما فعلها كبيرهم.
وإن كان لص البيت للعرض هاتكًا.. فشيمة سائر العصابة التحرشُ