مشاركات سوريا

سوريا على حافة كارثة غذائية: هل تصمد مشاريع الإعمار أمام الجفاف القادم؟

أبريل 30, 2025

سوريا على حافة كارثة غذائية: هل تصمد مشاريع الإعمار أمام الجفاف القادم؟

في الوقت الذي كانت فيه سوريا توصف بأنها “سلة غذاء الشرق الأوسط”، لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يتحول هذا البلد الزراعي إلى ساحة أزمة غذائية خانقة.

 


بين جفاف غير مسبوق ضرب البلاد في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحرب مدمرة أكلت الأخضر واليابس منذ عام 2011، كيف تآكلت قدرة البلاد على تأمين قوت أبنائها؟

 

 

بداية الأزمة: جفاف ما قبل الحرب

 

في الفترة الممتدة بين عامي 2006 و2010، شهدت سوريا أسوأ موجة جفاف في تاريخها الحديث، حيث انخفضت معدلات الأمطار بنسبة تجاوزت 50% في مناطق شمال شرق سوريا، وارتفعت درجات الحرارة، ما أدى إلى جفاف التربة ونضوب خزانات المياه الجوفية.

 


ونتيجة لتغير الواقع البيئي، تضررت سبل عيش مئات آلاف المزارعين والرعاة، مما أجبر نحو 1.5 مليون شخص على مغادرة قراهم نحو المدن الكبرى مثل دمشق وحلب. الأمر الذي خلق أزمة سكنية كبيرة في المدن، وأدى إلى انتشار العشوائيات وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر بشكل حاد.

 


ووفقًا لدراسة منشورة في مجلة PNAS العلمية، فإن هذه الموجة كانت نتيجة واضحة لآثار التغير المناخي البشري المنشأ.

التغير المناخي: العامل الخفي الذي غذّى الانهيار

 

 

ولم يكن الجفاف السوري حدثًا معزولًا، إذ تشير الأبحاث إلى أن منطقة الهلال الخصيب — التي تشمل سوريا والعراق ولبنان والأردن — أصبحت أكثر عرضة لموجات الجفاف بسبب الاحترار العالمي، الذي تسبب فيه النشاط البشري من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وبحسب دراسات أخرى منشورة، فإن احتمالية حدوث موجات جفاف كتلك التي ضربت سوريا قد تضاعفت مرتين إلى ثلاث مرات بفعل تغير المناخ.

 

 

الحرب: الضربة القاضية للزراعة

 

بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، تعرض القطاع الزراعي إلى ما يشبه الانهيار التام، إذ لم تقتصر الأضرار على تخريب شبكات الري وتدمير المعدات، بل تعدتها إلى تهجير السكان وقطع الأشجار المثمرة والحراجية.

 


على سبيل المثال، شهدت مناطق مثل جبل الزاوية وريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي عمليات تخريب واسعة أسفرت عن تراجع الغطاء الشجري بشكل كبير، كما بقيت معظم أراضيها دون استثمار لعدة سنوات بعد تهجير أهلها نحو الشمال إبان الحملة التي قامت بها قوات النظام البائد بين عامي 2019 و2020.

 

 

أما المزارعون الذين بقوا على أرضهم في المناطق الأقل تضررًا، فوجدوا أنفسهم أمام تحديات معقدة: نقص في البذور، ارتفاع أسعار الأسمدة والوقود، صعوبة الوصول إلى الأسواق، وانخفاض أسعار المنتجات مقارنة بتكاليف الإنتاج الباهظة.

 


وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، انخفض إنتاج القمح — الذي كان يبلغ نحو 4 ملايين طن سنويًا قبل الحرب — إلى حوالي مليون طن فقط في عام 2022.

 

 

الأمن الغذائي: من إنتاج الفائض إلى الحاجة للمساعدات

النتيجة الحتمية لهذه الأزمات كانت انهيار الأمن الغذائي في سوريا. فقد أصبح أكثر من نصف سكان سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة، 9.1 مليون منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وباتت غالبية العائلات تعتمد على المساعدات الإنسانية لتأمين احتياجاتها اليومية من الطعام، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تفوق 800% مقارنة بما قبل الحرب.

 

 

وفي تقرير صدر عن FAO بداية عام 2025، تبين أن الحد الأدنى لسلة الإنفاق الشهرية لأسرة سورية متوسطة يبلغ حوالي 2.5 مليون ليرة سورية، وهو رقم يتجاوز بكثير متوسط الأجور البالغ حوالي مليون ليرة، والحد الأدنى للأجور البالغ 280 ألف ليرة.

 

 

إلى أين تتجه الأزمة؟

 

تعرضت سوريا هذا العام إلى موجة جفاف قاسية أدت إلى تراجع معدلات الأمطار بشكل كبير، خاصة بين نوفمبر 2024 ويناير 2025.
ووفقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، فإن هذه الظروف المناخية القاسية، إلى جانب التأخر في هطول الأمطار، أدت إلى تقليص المساحات المزروعة وتراجع توقعات إنتاج الحبوب في موسم 2025.

 


في محافظة درعا، على سبيل المثال، قدّر المهندس الزراعي أحمد كيوان نسبة نجاح محصول القمح لهذا العام بـ5% فقط، معظمها من الأراضي المروية، بينما خرجت المحاصيل البعلية من الإنتاج وأصبحت مناسبة فقط للرعي.

 


كما أعلنت مديرية مياه دمشق وريفها رفع حالة الطوارئ نتيجة ارتفاع الطلب وشح الموارد المائية، وقال مدير المؤسسة المهندس أحمد درويش إن الهطول المطري لمدينة دمشق لم يتجاوز 23% من نسبة الهطول المعتاد، وهي أقل نسبة يتم تسجيلها منذ عام 1958.

 


ومع غياب مشاريع إعادة تأهيل حقيقية للقطاع الزراعي، واستمرار العقوبات الاقتصادية، تبدو فرص التعافي ضئيلة ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لمعالجة المشكلات البيئية والاجتماعية والاقتصادية معًا.

شارك

مقالات ذات صلة