سياسة

إسرائيل لغزة والعرب: استبشروا قتلا!

أبريل 29, 2025

إسرائيل لغزة والعرب: استبشروا قتلا!

ما زلنا تحت تأثير المذبحة المفتوحة بغزة، لم يتغير المشهد عما سبق والوعيد يتصاعد بالمزيد من سفك الدماء والدمار، تغرق غزة بدمها مجللة بصمت عربي وتواطؤ مغلف بتبريرات العجز المفضوحة والمكشوفة.

المنطقة تتغير ولا عودة إلى الوراء، وأقصى جهود المستائين من حملة الإبادة وسياسة الإملاءات المختلفة، إعلان النضال من خلف شاشة، والصراخ الباهت على منصات ومواقع أصبحت أشبه بجبهات كلامية تقصف بعضها البعض، في ما إسرائيل تتوعدهم جميعا، استبشروا قتلا.

حماس مسؤولة عن كل ما يجري، سردية تطبع المشهد العربي اليوم بدفع ودعم أمريكي وإسرائيلي معلن، الجدال يحتدم وجهات تتقاذف المسؤوليات ولم يعد ابن غزة فلسطيني ولم يعد الفلسطيني عربي ولم يعد العربي عربي، بل انشق الصف إلى صفوف، ونجح العصف الذهني والثقافي الممول والمبرمج غربيا وأمريكيا بالطعن بشرف العقيدة السياسية والأخلاقية والتاريخية للأمة الواحدة.


تهاوت جدران الممانعة الجدار تلو الآخر ورسمت معالم مجتمعات جديدة تؤدي فروض الطاعة والولاء للآمر الأمريكي الذي لم يعد بحاجة إلى مدافع وطائرات وصواريخ في كل مكان، بل يكفي أن يجند ومعه إسرائيل جيوشه الإعلامية والإلكترونية ليتفشى وباء الرضوخ والخنوع وتنتشر عبارات على غرار ما شأننا وغزة، ولتتحمل حماس مسؤولية ما فعلت، وتلك سرديات سرت كالنار في الهشيم كما أراد نتنياهو وكما روجت دوائر الإعلام والقرار، فإما ذلك أو استبشروا قتلا وقتلا .

 

لكأن غزة كوكب آخر، في مدار فضائي حدوده من تل أبيب إلى واشنطن، لكأنها ليست فلسطين ولكأن فلسطين ليست عربية، ومواكب التشييع المتلاحقة لجثامين الشهداء لم تعد تعني أحدا ولم تعد تدوي تأثيراتها كما في الأشهر السابقة بعدما تعددت التخاصمات والانحيازات وتفوقت مفاهيم ما يسمى السلام وإبرام معاهدات التطبيع على ما عداها من خيارات.

هكذا اطمأنت إسرائيل، محيطها الذي دجن بنجاح وغرق في بحيرة اليأس مصابا بداء الفتن والصراعات الضيقة تحت رايات الطائفية والمذهبية والقومية، وهو احتلال واستعمار من نوع آخر يبسط فيه العدو هيمنته واملاءاته بارتياح وانسياب متغذيا على المزيد من معاركنا الداخلية.

نعيش مرحلة من التوحش البربري، حيث الإنسانية على عداء مع الوجود برمته، والمستقبل يحمل لنا كما يعدنا نتنياهو وترمب المزيد من بشريات القتل والإبادة ليبسطا خارطة الحلم اليهودية على أسطح أشلائنا وخرابنا وأحزاننا.


يؤدبنا ترمب في كل خطاب، كمن يحذرنا وينذرنا الإنذار الأخير، اعتنوا بحاضركم السيء كي لا تصابوا بكوابيس المستقبل الأسوأ.

وها نحن نشهد طلائع الانتحار السياسي والثقافي والأخلاقي في بلداننا، الجغرافيا تتغير وتتقلب والإقناع لم يعد سلاحا صعبا، يكفي أن تلوح الولايات المتحدة بسيف العقوبات حتى تركع الأنظمة أمام رهبة التنفيذ وتنصاع الدول إلى الحاكم بأمره انصياع الخاضع والخانع للبقاء على قيد اللقمة وقيد الاستمرار، فينجح أرباب المذبحة الموزعة على مساحات الشرق الأوسط بوجوهها المختلفة التي تبدأ بالتهديد والوعيد ولا تنتهي بجدارة القتل، والموت والحصار والتجويع.

يتحفنا كثر اليوم أن إسرائيل ستكون الشقيق الإقليمي قريبا، لم لا؟ ها هي تدوس الأراضي السورية وتقرع أبواب دمشق، تفرض سطوتها بأشكال متعددة على سياسات لبنان، على إعلامه وبرامجه الانتقامية والتحريضية تتغلغل في مفاصله إلى أقصى الحدود، وهكذا إلى العراق المنهار ومصر المكبلة إلى آخر أصقاعنا المكلومة والمترنحة.


العدو يسرح ويمرح غطرسة، أحلامنا وطموحاتنا خردة لا مكان ولا زمان لها، المقاومة شعار وثوب مرقع لم يعد يكسو جسد المواطن العربي المحبط، بعض دول الخليج محطات استراحة للمحاربين وناقلة رسائل وإملاءات وما عدا ذلك معرض للتذابح إلى آخر تعداد المقصلة المتنقلة.

ماذا نحن فاعلون؟ نحن نسحق تحت إمرة الطاغوت، هل سنواجه ولو بعد حين؟ هل سننتفض من بين ركام عجزنا ويتمنا؟ الجواب يقيم في المستحيل، هكذا يقول من أعلنوا انتماءهم إلى واقع التشاؤم الحالي، في ما بارقة الأمل مازالت تدغدغ أحلام البعض من المراهنين على عدالة الحق وانقلاب المشهد لصالح الإنسانية، وبين هذا وذاك وعلى قارعة الانتظار بين طريقين متباعدين، يقف نتنياهو من جهته على مفترق دموي مخاطبا العرب وقعوا وطبعوا وسلموا أو استبشروا قتلا وقتلا!

شارك

مقالات ذات صلة