سياسة

تقرير دوري: قراءة في المشهد السياسي والمحلي في سوريا

أبريل 28, 2025

تقرير دوري: قراءة في المشهد السياسي والمحلي في سوريا

 

 

 

 

 

 

ملخص:

 
  • تراجع ملحوظ في نشاط جيش الاحتلال الإسرائيلي في سوريا، مع مواصلة الهيمنة الأمنية في الجنوب.
  • تزايد مؤشرات الانفتاح الأمريكي تجاه دمشق، وارتفاع وتيرة الاتصالات المباشرة بين الجانبين.
  • إعادة تشكيل موازين القوى شرق سوريا مع تقليص جزئي للقوات الأمريكية شمال شرق سوريا.
  • تركيا تسعى لشرعنة تحركاتها في سوريا مع الإعلان عن آلية إقليمية خماسية لمواجهة “الدور الإسرائيلي في المنطقة”.
 
 

أولاً: المستجدات السياسية

 
  • شهدت الفترة الأخيرة نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً للرئيس السوري أحمد الشرع، بدأ بمشاركته في منتدى أنطاليا الدبلوماسي في 11 أبريل 2025، تلاه زيارات رسمية إلى دولة الإمارات وقطر في 14 و15 أبريل. وتعكس هذه التحركات الدبلوماسية استراتيجية سورية جديدة تهدف إلى إعادة دمج البلاد في النظام الإقليمي والدولي من خلال بناء شراكات سياسية واقتصادية وأمنية مع دول مؤثرة في المنطقة، وتشير إلى رغبة دمشق في تنويع علاقاتها وتوسيع دائرة حلفائها، مما قد يسهم في تسريع عملية التعافي السياسي والاقتصادي للبلاد.


  • تزايدت مؤشرات الانفتاح الأمريكي تجاه دمشق، مما قد يمهّد لتحول تدريجي في الموقف الأمريكي، حيث نشهد ارتفاعاً في وتيرة الاتصالات المباشرة بين الجانبين، خصوصاً بعد استقبال عضوي الكونغرس الأمريكي “كوري لي ميلز” ومارلين ستوتزمان يومي 18 و19 أبريل على التوالي في قصر الشعب في دمشق. كما كتبت السيناتور الديمقراطية في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، جين شاهين، رسالة إلى وزيري الخارجية والخزانة الأمريكيين لتشجيعهما على توسيع المشاركة مع الحكومة السورية المؤقتة. ومن الواضح أن زيارة أعضاء الكونغرس الأمريكي تتقاطع مع تصريحات “شاهين” في الإشارة إلى نوافذ انفتاح متزايدة بين دمشق وواشنطن، إلا أن المسار يبدو مشروطاً بسقف سياسي وأمني لم يُكسر بعد.
 
 
  • ردت سوريا كتابياً على طلب أمريكي يتضمن شروطاً لبناء الثقة مقابل رفع جزئي للعقوبات، مؤكدة تنفيذ معظمها مع الحاجة إلى تفاهمات متبادلة حول قضايا مثل طرد المقاتلين الأجانب والسماح بضربات أمريكية لمكافحة الإرهاب. وتشير هذه الرسالة إلى محاولات سورية متدرجة لاختراق العزلة الدولية عبر تقديم تنازلات محسوبة، دون المساس بجوهر السيادة أو تركيبة التحالفات. كما أن سياسة دمشق البراغماتية – عرض خطوات جزئية (مثل التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والبحث عن تايس) مع طلب تفاهمات إضافية في ملفات تعتبرها حساسة استراتيجياً – تعكس فهماً دقيقاً لتوازن القوى. وفي الوقت ذاته، يرجح أن الشروط الأمريكية المعلنة تجاه سوريا تشكل في معظمها أدوات تفاوضية جانبية لمكاسب تدريجية لا تمس جوهر القضية، بينما يتمثل جوهر السياسة الأمريكية بالترتيبات الجيوسياسية الكبرى في المنطقة، التي تُدار بعيداً عن الإعلام.
 
 
  • وجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور قمة الجامعة العربية المقررة في بغداد في مايو المقبل، وذلك بعيد لقائهما في قطر. ويعكس هذا الانفتاح استعداد الحكومة العراقية للتعاون مع سوريا رغم تنامي الضغوط الداخلية من القوى السياسية العراقية التي ترى في هذا الانفتاح تهديداً لمصالحها الاستراتيجية، لا سيما تلك المرتبطة بالنفوذ الإيراني. ويبدو أن الحكومة العراقية بقيادة السوداني تتحرك بواقعية سياسية، حيث واصل السوداني أطروحاته الجريئة لفتح قنوات دبلوماسية أوسع مع دمشق، وأوفد رئيس الاستخبارات العراقية للقاء الشرع حاملاً رسالة دعم من الجمهورية العراقية لاستقرار سوريا ووحدة أراضيها، وتأكيداً لدعوة العراق للشرع لحضور القمة العربية المزمع عقدها في بغداد.
 
 
  • دعا الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تعديل بعض الشروط الأمريكية لرفع العقوبات عن سوريا، محذراً من أن أي فوضى في البلاد ستكون آثارها “عالمية وليست إقليمية فقط”. وأظهر الشرع في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز انفتاحاً على شراء أسلحة من روسيا ودول أخرى. لا يزال الدور الذي ستلعبه روسيا في سوريا بعد الحرب غير واضح؛ إذ تُظهر موسكو تردداً في حسم ملف قواعدها العسكرية في سوريا رغم شهور من التفاوض مع الحكومة الانتقالية. وتشير تسريبات إلى نوايا سورية لربط حقوق التمركز بصفقات تسليح، إلا أن أزمة الإمداد العسكري التي تواجهها روسيا في حربها بأوكرانيا تجعل التزامها الخارجي موضع تشكيك. ورغم استمرار انتشارها في قواعدها الرئيسة، فإن مستقبل هذا الوجود يبقى رهين توازنات دقيقة بين طموحات موسكو وقدرة النظام الجديد على ضبط السيادة.
 
 
  • يؤكد الترحيب الدولي، ولا سيما من صندوق النقد والبنك الدوليين، على انتقال ملف سوريا تدريجياً من مربع الصراع إلى مربع إعادة الإعمار، مع إعطاء الأولوية للاحتياجات الأساسية. بينما أبدت الولايات المتحدة حذراً مشروطاً؛ فرحبت بالتحولات السياسية لكنها ربطت دعمها بمسارات المحاسبة وتقويض النفوذ الإيراني. في المقابل، أبدت كل من روسيا وتركيا مواقف أكثر صراحة في دعم الإدارة السورية الجديدة، مع توجيه انتقادات متزايدة للانتهاكات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.
 
 
  • رفعت الحكومة البريطانية تجميد الأصول عن 12 كياناً سورياً، بما في ذلك وزارتا الدفاع والداخلية السورية، بالإضافة إلى عدد من وكالات المخابرات والإعلام. وتؤكد هذه الخطوة على ليونة العلاقات بين بريطانيا ودول أوروبية أخرى في التعامل مع دمشق، في مقابل السياسة الأمريكية الأكثر تحفظاً تجاه سوريا والمنطقة. وقد تدل هذه الخطوة على رغبة أوروبية في الانخراط في سوريا والبحث عن نفوذ أوسع بعيداً عن الانسحاب الأمريكي.
 
 
  • بعد انقطاع دام 25 عاماً، عاد “منتدى الحوار السوري الديمقراطي” إلى النشاط في 23 أبريل 2025، بعقد أولى جلساته في منزل المعارض البارز رياض سيف بضاحية قدسيا بريف دمشق. ويُعد هذا المنتدى امتداداً لتيار “ربيع دمشق” الذي انطلق عام 2000 وسرعان ما قُمِع من قبل النظام السوري آنذاك. وتعكس عودة المنتدى تحوّلاً في المناخ السياسي السوري بعد سقوط نظام الأسد، وانفتاحاً نسبياً يسمح بإحياء المبادرات المدنية والسياسية التي كانت محظورة سابقاً.
 
 

المستجدات الاقتصادية

 
  • تبقى العقوبات الأمريكية المفروضة التحدي الأساسي أمام السلطة السورية الجديدة، إذ تعيق حصول دمشق على دعم اقتصادي حقيقي، وتمنع جذب الاستثمارات الخارجية. تسعى دمشق إلى رفع العقوبات الدولية، لكنها تحرص في الوقت نفسه على التكيف معها، ويتجلى ذلك في دعوة الرئيس أحمد الشرع لرجال الأعمال السوريين للاستثمار في البلاد، إضافة إلى استقبال رجال الأعمال السوريين المغتربين في دمشق.
 
 
  • تمهد المبادرة السعودية لسداد ديون سوريا للبنك الدولي الطريق للموافقة على منح دولية بملايين الدولارات لإعادة الإعمار. كما تعد الخطوة السعودية مؤشراً على بدء تبلور دعم خليجي وعربي لسوريا، وقد جاء الإعلان عن هذه المساعدات عشية زيارة الشرع إلى قطر، ما يشير إلى اشتداد المنافسة بين الدول العربية على كسب النفوذ في دمشق.
 
 
  • يمثل تعيين صندوق النقد الدولي للاقتصادي المخضرم رون فان رودن رئيساً لبعثته إلى سوريا مؤشراً على تحول نوعي في علاقة دمشق بالمؤسسات المالية الدولية بعد 14 عاماً من القطيعة. كما أن اختيار شخصية خبيرة بإدارة ملفات الدول الخارجة من النزاعات، كالعراق وأوكرانيا، يوحي بأن الصندوق يستعد للعب دور تدريجي في مساعدة سوريا على التعافي الاقتصادي، ولو خارج الإطار التقليدي للتمويل المباشر بسبب استمرار العقوبات الغربية.
 
 
  • تدل تعيينات وزير الاقتصاد والصناعة السوري، نضال الشعار، لعدد من الخبراء والباحثين بصفة “مستشار تنفيذي” في الوزارة، مع توزيع تخصصاتهم، على تحوّل استراتيجي في الإدارة الاقتصادية السورية. تسعى الحكومة إلى ضخ دماء أكاديمية ومهنية جديدة ضمن جهازها التنفيذي، للاستفادة من كفاءات تتمتع بخبرات دولية وأكاديمية عالية، بعضها مرتبط بمؤسسات بحثية عالمية. يعكس هذا النهج إقراراً رسمياً بحاجة الاقتصاد السوري إلى إعادة بناء شاملة تقوم على التخطيط العلمي، والتحول الرقمي، والانفتاح على ممارسات الإدارة الحديثة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطوة مرهون بمدى قدرة هؤلاء المستشارين على إحداث تأثير حقيقي في بيئة إدارية متجذرة في البيروقراطية، بالإضافة إلى تحديات العقوبات ومحدودية الموارد.
 
 

المستجدات الأمنية والعسكرية

 
  • اعتقلت الحكومة السورية مسؤولين كبيرين في حركة الجهاد الإسلامي، وسط حديث عن اتهامهما بالتواصل مع إيران. وعلى الرغم من عدم وضوح المشهد بعد، إلا أن توقيت الاعتقال والتصريحات المختلفة تشير إلى ارتباط القضية بديناميات داخلية تتعلق بالتنظيم والعمل العسكري والتواصل مع جهات خارجية دون تنسيق أو موافقة السلطات، خصوصاً مع إيران.
 
 
  • أقدمت جماعة جهادية تُدعى “سرايا أنصار السنة”، يُرجّح أنها قريبة فكرياً من تنظيم “الدولة”، على تنفيذ عمليات إعدام خارج إطار القضاء بحق سوريين يُشتبه في صلتهم بالنظام السابق لبشار الأسد. كما نفذت 19 هجوماً إضافياً استهدفت مسؤولين سابقين وشخصيات من الطائفة العلوية غرب سوريا، وهددت بتوسيع عملياتها لتشمل الطائفة الدرزية في محافظة السويداء جنوب غربي البلاد. إلى جانب ذلك، أعلنت مجموعات مسلحة جديدة، أبرزها “قوة المحاسبة الخاصة” في حلب، بدء عمليات اغتيال لفلول النظام وتطبيق القانون بنفسها.
    تشير هذه التطورات إلى تصاعد ردود الفعل الشعبية السلبية إزاء مسار “العدالة الانتقالية”، خاصة بعد إطلاق سراح عشرات العناصر السابقين للنظام من سجن عدرا بدمشق. ويتوقع أن يؤدي خطاب الكراهية الذي تتبناه “سرايا أنصار السنة” ضد مكونات مجتمعية معينة إلى موجات عنف مضاد، مما قد يدفع قوى النظام السابقة إلى إعادة ترتيب صفوفها تحت شعار “الدفاع عن النفس”. ويظل نجاح أي مسار قضائي انتقالي حقيقي في محاسبة رموز النظام السابق أحد السبل لتحجيم نفوذ هذه الجماعات وتجريدها من مبرراتها.
 
 
  • يبدو أن مسار العمل الدبلوماسي بين تركيا وإسرائيل في أذربيجان، إلى جانب الضغوط الأمريكية على تل أبيب لتجنب التصعيد مع تركيا، قد أسهم في التراجع الملحوظ لحدة النشاط العسكري الإسرائيلي داخل سوريا مؤخراً. ومع ذلك، تواصل القوات الإسرائيلية فرض هيمنتها الأمنية على الجنوب السوري، مما يعرقل جهود السلطة الجديدة لبناء قدرات عسكرية مستقلة.
 
 
  • تشكل الآلية الإقليمية التي أعلن عنها نائب وزير الخارجية التركي، والتي تضم تركيا والعراق وسوريا ولبنان والأردن، إطاراً سياسياً واستراتيجياً يهدف إلى مواجهة الدور الإسرائيلي في المنطقة، وشرعنة التحركات التركية داخل الأراضي السورية.
 
 
  • في 25 أبريل، زار 600 رجل دين درزي سوري إسرائيل للاحتفال بعيد “الزيارة” في قبر النبي شعيب في الجليل الأسفل. تمثل هذه الزيارة تطوراً مهماً في العلاقات بين الطائفة الدرزية في سوريا وإسرائيل، وقد تفتح التفاعل غير الرسمي بين دمشق وتل أبيب الباب أمام مزيد من الانفتاح الدبلوماسي مستقبلاً، رغم تعقيدات السياسة الإقليمية.
 
 
  • كشف اللواء الثامن، أبرز فصائل الجنوب بقيادة أحمد العودة، عن حل تشكيله ودمج عناصره وأسلحته تحت إمرة وزارة الدفاع السورية، بعد اضطرابات شهدتها مدينة بصرى الشام بدرعا. يشكل هذا التحول خطوة مهمة ضمن مسار إعادة هيكلة وزارة الدفاع، ويعيد رسم ملامح السلطة المحلية جنوب البلاد.
 
 
  • بدأت الولايات المتحدة بسحب عدد من جنودها من شمال شرق سوريا، في خطوة تعكس تحولاً في سياستها الخارجية، ضمن مراجعة أشمل للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. رغم أن حجم الانسحاب محدود (نحو 600 جندي)، إلا أن تداعياته الاستراتيجية كبيرة، إذ تؤثر على الدعم اللوجستي والاستخباراتي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما يهدد بتآكل الشبكة الأمنية شرق الفرات. ويفسر هذا الانسحاب كخطوة أولى نحو إنهاء الوجود الأمريكي، مع الإبقاء على قاعدة التنف.
 
 
  • بالرغم من تحقيق تقدم ملحوظ في تنفيذ اتفاق “الإدارة الذاتية” مع دمشق في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب خلال أبريل، إلا أن تفاصيل إدارة المنطقة ما تزال غير واضحة، بعد انسحاب وحدات حماية الشعب وتسليم الإدارة لقوى الأمن الداخلي “الأسايش”، وسط أنباء عن تعليق العمل بالاتفاق مؤخراً. كما تعثر تسليم إدارة سد تشرين، ما يكشف حجم التحديات التي تواجه التفاهمات بين دمشق وقسد. ومع ذلك، من المرجح أن تشهد العلاقات بين الطرفين تطوراً إيجابياً على خلفية الانسحاب الأمريكي.
 
 

ختاماً

 

ترسم التطورات الأخيرة مساراً حساساً لإعادة ترتيب خريطة النفوذ السياسي والعسكري والدبلوماسي الخاص بسوريا على المستويين الإقليمي والدولي. وبينما تسعى السلطة الجديدة لاستعادة شرعيتها عبر قنوات متعددة، تواجه في الوقت ذاته تحديات ضخمة، أبرزها استمرار العقوبات الغربية وتقلب المواقف الأمريكية. داخلياً، يشير التقارب الحذر مع “قسد” إلى إعادة تعريف العلاقة بين المركز والأطراف، في ظل إعادة ضبط التوازنات في شمال شرق البلاد بعد الانسحاب الأمريكي. أمنياً، لا تزال إسرائيل تفرض واقعها الخاص في الجنوب، مما يعيق جهود بسط السيادة الكاملة. أما إقليمياً، فإن المبادرة التركية بتأسيس آلية خماسية تعكس تصاعد الصراع على النفوذ، وتفرض على سوريا بناء تحالفات جديدة لحماية مصالحها واستثمار فرص التعافي.

شارك

مقالات ذات صلة