مدونات
للكاتب: ظاهر صالح
في الوقت الذي يسطّر فيه الفلسطينيون بدمائهم وأشلائهم معالم طريقهم نحو الحرية والكرامة والتحرير، يستمر محمود عباس وحاشيته في الفشل والرهان الخاسر على وهم التسوية، وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيد حملات القمع والاقتحامات المسلحة لمختلف مدن وبلدات الضفة الغربية، وإيقاع إصابات في صفوف الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى تنفيذ اعتقالات واسعة النطاق.
شهد فجر أمس السبت ومساء الجمعة موجة اقتحامات عنيفة، بالتزامن مع تصاعد اعتداءات المستوطنين، خاصة في محافظة الخليل. ويأتي ذلك في ظل غياب تام لدور السلطة الفلسطينية التي اكتفت بالتفرج على معاناة شعبها، بل وتشارك أحياناً في تأليب الرأي العام ضد المقاومة.
في بلدة سنجل شمال رام الله، أُصيب شاب فلسطيني بجروح خطيرة بعد أن أطلقت قوات الاحتلال الرصاص وقنابل الغاز على الأهالي الذين تصدوا لمحاولة اقتحام منطقة جبل التل من قبل مستوطنين. وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية أن حالة المصاب حرجة نتيجة إصابته في الظهر، وقد نُقل على الفور إلى مستشفى سلفيت الحكومي.
وفي نابلس، استشهد الشاب عبد الخالق جبور (17 عامًا) برصاص الاحتلال خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال أثناء اقتحامها قرية سالم شرقي المدينة، وهو مشهد تكرر مؤخرًا مع تصاعد مقاومة الفلسطينيين لاجتياحات قوات الاحتلال الإسرائيلية. كما اعتقلت قوات الاحتلال شبانًا آخرين في مخيم بلاطة بنابلس خلال مداهمات عنيفة.
وفي بيت لحم، أُصيب طفل يبلغ من العمر 16 عامًا برصاصة في الحوض خلال اقتحام قوات الاحتلال لقرية بيت فجار، واعتدت بالضرب الوحشي على شبان وسيدة خلال مداهمة محل تجاري، مما يبرز نهج الاحتلال في استهداف المدنيين العزل.
شهدت محافظة الخليل تصعيدًا خطيرًا، حيث أطلق المستوطنون العنان لأعمال العنف والهمجية تحت حماية جنود الاحتلال. اقتحم عشرات المستوطنين منطقتي أم الذهب ومراح البقار في الظاهرية ودورا، وقاموا بقلع أشجار الزيتون في خربة أم الخير بمسافر يطا. وفي اعتداء همجي آخر، أقدم مستوطنون على تمزيق مصحف وتخريب ممتلكات الفلسطينيين في منطقة خلة الفرن جنوب الخليل، وسط صمت دولي مريب وغياب أي رادع فعلي.
بالتزامن مع ذلك، شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات في بلدتي إذنا ودير سامت، مستخدمة الجرافات العسكرية، في مشهد يذكر بفصول النكبات التي عاشها الشعب الفلسطيني.
تؤكد هذه الاعتداءات اليومية أن الضفة الغربية أصبحت مسرحًا موازيًا لما يحدث من إبادة في قطاع غزة. فبحسب إحصاءات فلسطينية حديثة، تجاوز عدد الشهداء في الضفة نتيجة عمليات القتل والاعتقال والاقتحام 956 شهيدًا، بالإضافة إلى إصابة ما يقارب 7000 فلسطيني، واعتقال أكثر من 16 ألفًا.
في ظل هذا التصعيد الخطير، تواصل السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس سياسة التخاذل والخيانة المكشوفة، فبدلًا من حماية شعبها أو دعم مقاومته، تصر السلطة على التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتستمر في حملاتها الإعلامية ضد المقاومة في غزة، وهو ما يتماهى بشكل لافت مع الخطاب الإسرائيلي.
يثبت محمود عباس، الذي وصف المقاومة الفلسطينية مؤخرًا بأوصاف نابية، يومًا بعد آخر أنه لا يمثل طموحات وآمال شعبه، بل أصبح عبئًا على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، والأدهى من هذه الشتائم، ما ورد في كلمته المطولة، حيث زعم أن حركة حماس هي من أعطت الاحتلال الذرائع لشن عدوانه، وأنه هو من “يدفع الثمن”، وليس الاحتلال.
هذه التصريحات الفجّة تساوي بين الضحية والجلاد، وتقلب الحقائق رأسًا على عقب. لم يكتف محمود عباس بالتنصّل من دماء ومعاناة أهل غزة، بل خاطب حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال افتتاح جلسة المجلس المركزي الفلسطيني برام الله، بمفردات يخجل المرء من كتابتها ناهيك عن التلفظ بها.
تكتفي السلطة بإصدار بيانات تنديد باهتة لا ترقى إلى مستوى الحدث والتضحيات، بينما يواصل الاحتلال تنفيذ مخططاته التوسعية والاقتلاعية مستغلًا حالة الصمت والتخاذل وضعف الحاضنة الرسمية في الضفة الغربية.
إن الخذلان الأكبر يكمن في أن السلطة، التي أنفقت المليارات على أجهزتها الأمنية لترسيخ فكرة “دولة تحت الاحتلال”، باتت عاجزة حتى عن حماية قراها من اعتداءات المستوطنين، فضلاً عن عجزها الفاضح عن وقف المجازر اليومية. لقد بات من الواضح أن التنسيق الأمني مع الاحتلال قد تحول من خيانة صامتة إلى تواطؤ وخيانة معلنة في قمع الفلسطينيين.
فمن يهاجم المقاومة ويصمت عن القصف والدمار والتجويع، لا يمكن أن يمثل الشعب الفلسطيني، بل يمثل أجندة الاحتلال الغاصب على أرض فلسطين، وعليه، فإن محمود عباس وسلطة التنسيق الأمني لم يعودا يتحدثان باسم فلسطين، بل يتحدثان بلغة الاحتلال، ويستخدمان منابر منظمة التحرير لتصفية المقاومة.
على الرغم من كل هذه الانتهاكات، وخيبات الأمل الناتجة عن تخذيل القيادة الرسمية، يواصل الفلسطينيون في الضفة الغربية تصديهم البطولي للاقتحامات والاعتداءات، فمن سنجل إلى نابلس، ومن بيت لحم إلى الخليل، يقف الفلسطينيون صامدين، لا يملكون سوى إرادتهم وإيمانهم بحقهم في أرضهم.
إن المشهد الراهن في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، يفرضان على كل الأحرار والشرفاء من القوى والفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية، إعادة ترتيب الأولويات، فالقضية لم تعد مجرد دفاع عن البيوت والأشجار، بل هي معركة وجود ضد مشروع استيطاني إحلالي لا يؤمن إلاّ بالقوة والمقاومة.


