آراء

ثنائي القطب!

أبريل 26, 2025

ثنائي القطب!

عند قراءتكم للعنوان، سيتبادر للأذهان المرض النفسي المعروف بثنائي القطب، وهو المعروف بالتقلب الأسبوعي بين جولة الاكتئاب الحاد وجولة الهوس المتسم بالانفعالية. وفي حقيقة الأمر يكاد لا يخلو أي شيءٍ من ثنائية القطب، أي حالتان متعاكستان في كل شيء تقريبًا، من المغناطيس المعروف، وصولًا إلى النظام العالمي المتصارع بين الرأسمالية والاشتراكية، ولكن تكون المشكلة إن وُجدت ثنائية القطب في الشخص نفسه، وهنا يكون المرض.

 

لتبسيط المشهد، هل تعرفون اقتصاديًّا يدعم الرأسمالية والاشتراكية في الآن ذاته؟ أو رجلًا يدعو للإيمان والإلحاد في نفس الوقت؟ أو مسافرًا يقود للشمال والجنوب في نفس الرحلة؟ لن يتردد أحدٌ في اعتبار شخصٍ كهذا، إن وُجد، مريضًا نفسيًا يتخبط بين الضِدَّين، وهو ما يُعرف طبيًّا بالمرض ثنائي القطب حين يتقلب المريض بين الاكتئاب والهوس.

 

ولكن، إن كان كلُّ هذا بديهيًّا، فمنذُ متى طُبِّعَت الشعوب مع فكرة دعمِ القضية وعدم دعمها في آنٍ واحد؟ كيف وصلت الأمَّة إلى حالةٍ تريدُ فيها التحرير وتريد الإستقرار الذاتي الكامل وبقاءُ الحال على ما هو عليه بالمطلق في كل مكان؟ كيف تثور شرائحٌ من الأمَّة على تصريحٍ يستهدف زعيمها ولا تثور ذات الشرائح في وجهِ قذيفة تقتل إخوانها؟ كيف تهلِّل للنضال وتحارب المناضلين؟ كيف تغضب لمشاهد الموت ولا تغضب لإمداد القاتل بأسباب قوته؟ لتُدرك أنَّ الأمَّة تُعاني مرضًا نفسيًّا عُضالًا، يستوجبُ علاجًا عاجلًا قبل وصولها إلى نقطة اللاعودة.

 

وفي نفس السياق، تبقى المشكلة الأعظم التي تواجه الطبيب النفسي مع المريض هي إقناعه بمرضه، فالمريضُ يدافع دفاعًا شرسًا عن استحقاق اكتئابه ودوافع هوسه وعوامل التقلِّب بين الحالتين، ويعتبر أنَّ كلَّ ذلك مبررٌ ولا ينضوي تحت خانة الأمراض النفسية. ومع ذلك، لا حلَّ إلّا بالشرح والإقناع، فالتشخيص وإقناع المريض به نصفُ العلاج، والنصفُ الآخر يكون بالعلاج المعرفي السلوكي ومن ثمَّ الأدوية.

 

ومن هذا المُنطلق، على المثقفين الأصحّاء أن يأخذوا على عاتقهم دور الطبيب لعلاج الأمة من ثنائي القطب، مهما واجهوا إنكارًا، فلا حلَّ على المدى البعيد بدون التوعية والحوار والدعوة، وإدراكُ هذا المرضِ العُضال نصفُ العلاج والنصفُ الآخر في نبذ التفاهة وإظهار القدوة والدعوة الحسنة.

شارك

مقالات ذات صلة